عند تصفح الوثائق والكتابات التاريخية نجد أن تخليد الطغاة أكثر شيوعاً، إذ يتحدث المؤرخون عن إيجابيات الطغاة حتى وهم يبحثون في سلبياتهم، ويعتمدون على ما دونته وثائق أولئك وهم في مراكز القوة، ودراسة سِيَر زعيم النازية الأوروبية هتلر وسيرتَي صدام حسين والقذافي أمثلة على ذلك، فقد تحدث هذا الصنف من المؤرخين عن بطولاتهم ومروا سريعاً على جرائمهم، وإبادتهم للبشر.إن دراسة التاريخ المنصفة تتطلب الانتباه إلى أزمة تخليد الطغاة أكثر من المصلحين، وبينما يكون المعلن مهاجمة الطغاة يتم في الحقيقة تخليدهم بحجة عدم نسيان الماضي! إن الحروب قد أشعلها الطغاة، وقاومها المصلحون، وصوت الحرب يكون هو الأعلى، لذا فحظ الطغاة من الكتابة التاريخية أوفر.
والسؤال موجه إلى مؤرخي الدولة العثمانية العرب والمسلمين: لماذا لا تتحدثون عن إبادة هذه الدولة للأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى؟! ولماذا لا تتحدثون عن إبادة المماليك على يد والي مصر محمد علي؟! الكلام عن تلك المآسي يأتي عابراً، ويغطى بإيجابيات محاولات الإصلاح والوحدة وغيرها، كما لا يتحدث مؤرخو حقبة «البعث» في العراق عن جرائم صدام حسين في حروبه الداخلية والخارجية. ذكر إيجابيات الطغاة في تلك الكتابات يأتي بحجة أنها تستند إلى الوثائق، ونحن نعلم أن من كتب تلك الوثائق هي السلطات، ومراكز القوى وقتئذ، وفي ظل هذه الظروف تغدو حجة الوثائق محل شك في مصداقيتها! وقد نكتشف وثائق مناقضة لها، علينا تأملها، والبحث فيها. وفي المقابل يعج التاريخ بالمخلصين والمصلحين فلماذا لا يتحدث التاريخ عنهم بنفس القدر؟! بل تم تهميش بعضهم، و»تقزيم» دورهم الذي كان رائداً ومهماً، ولا نريد أن نذكر أمثلة على ذلك خوفاً من إثارة حفيظة البعض. وعندما نتحدث عن المخلصين فهنا لا نعنى الحكام فحسب، بل هناك مفكرون ومثقفون قد لعبوا دوراً في تاريخ دولهم كان يجب تمجيد دورهم أكثر من الطغاة، نعرف أولئك من بحوث ودراسات لاحقة أتاحت ومضات الحرية أحياناً معرفة أدوارهم.ربما يكون هوس المجتمعات المتخلفة بالزعامة الفردية هو الذي تسبب في هذه النزعات التي وضعت أسسها ووثائقها في تلك العهود، ولاشك أن بعض الزعامات لعبت دوراً في تاريخ بلادها لكن الأمر يتطلب نظرة موضوعية، لا بد من التفكير جدياً في إعادة كتابة تاريخ الطغاة والمخلصين من جديد.
مقالات
الطغاة والمخلصون في التاريخ
07-08-2019