أزمة وشيكة في البحر الأسود
قبل وقت طويل من نشوب الخلاف الراهن بشأن سفينة «نيكا سبيريت» أو «نايما»، أعلنت موسكو أن عدداً من مناطق البحر الأسود سيصبح خطيراً وغير مناسب للشحن مؤقتاً بسبب اختبارات الصواريخ والمدافع والتدريبات البحرية الروسية.
دخلت ناقلة تجارية روسية اسمها «نيكا سبيريت» إلى ميناء «إسماعيل» الأوكراني في 24 يوليو الماضي، وسمح نظام المعلومات الدولي «إيكواسيز» لأوكرانيا بالتعرف على سفينة الشحن تلك، فتبين أنها كانت تحمل اسم «نايما» وهي التي عاقت عمل مضيق «كيرتش» في 25 نوفمبر 2018. خلال تلك الحادثة، استولت قوى الأمن الروسية، مقابل ساحل شبه جزيرة القرم المحتلة، على ثلاث سفن تابعة للقوات البحرية الأوكرانية، وكان على متنها طاقم مؤلف من 24 شخصاً، وقد أصيب ثلاثة بحارة أوكرانيين خلال الهجوم الروسي. وفي 25 يوليو، احتجزت سفينة «نيكا سبيريت» أو «نايما» غداة وصولها إلى ميناء «إسماعيل» على يد «خدمة أمن أوكرانيا» و»مكتب المدعي العسكري»، وسمحت «خدمة أمن أوكرانيا» لطاقم سفينة الشحن بالعودة إلى دياره بعد إجراء التحقيقات اللازمة، واعتبرت الناقلة بحد ذاتها جزءا من الأدلة، وفي 29 يوليو، تم احتجازها بموجب حكْم صادر عن محكمة مقاطعة «بريمورسكي» في «أوديسا».سرعان ما أصبحت حادثة الناقلة بين روسيا وأوكرانيا من أبرز القصص المتداولة في وسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة، فشددت هذه الأخيرة على ثلاث نقاط أساسية:أولاً، سعت وسائل الإعلام الموالية للكرملين إلى نشر الشكوك حول صحة إقدام طاقم الناقلة على مساعدة حرس الحدود التابع لـ»جهاز الأمن الفدرالي الروسي» في 25 نوفمبر، بما أن السفينة كانت مضطرة لتنفيذ أوامر جهاز الأمن في مطلق الأحوال، ووفق هذا المنطق، لم يكن قرار أوكرانيا باحتجاز السفينة وطاقمها البريء «مبررا».
ثانيا، اعتبرت التغطية الإعلامية الروسية أفعال أوكرانيا استفزازية، وهذا ما قاله مباشرة يوري شفيتكين، نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي. ثالثا، دعت وسائل الإعلام الموالية لموسكو صراحة إلى الرد على ما حصل.لكن قبل وقت طويل من نشوب الخلاف الراهن بشأن سفينة «نيكا سبيريت» أو «نايما»، أعلنت موسكو أن عددا من مناطق البحر الأسود سيصبح خطيرا وغير مناسب للشحن مؤقتا بسبب «اختبارات الصواريخ والمدافع» و«التدريبات البحرية» الروسية. استمرت تلك الضوابط التي فرضتها موسكو عن طريق نظام تحذير الملاحة «نافاريا 3» طوال شهر يوليو تقريبا. لكن بعد احتجاز سفينة الشحن الروسية في ميناء «إسماعيل» مباشرة، أطلقت موسكو تحذيرات دولية جديدة للبحارة بشأن «خطورة الملاحة مؤقتا» في خمس مناطق واسعة من البحر الأسود، ويفترض أن تدوم هذه القيود الأخيرة حتى 12 أو 13 أغسطس. تبلغ مساحة المنطقة المستهدفة 118570 كيلومترا مربعا، أي أكثر من ربع سطح البحر الإجمالي. كذلك، تتداخل تلك المناطق المحظورة بشكل شبه كامل مع طرقات الشحن البحرية في الأجزاء الغربية والوسطى والشرقية من البحر الأسود.تتزامن الفترة الزمنية المحددة لفرض ضوابط الملاحة مع تدريبات واسعة النطاق بدأت في «المنطقة العسكرية الروسية الجنوبية» في 23 يوليو. وقال قائد العمليات في تلك المنطقة إن جميع الوحدات العسكرية بلا استثناء تشارك في هذه التدريبات ، بما في ذلك «أسطول البحر الأسود» و«أسطول بحر قزوين» وبالإضافة إلى العناصر البحرية، تشمل التدريبات جنودا من وحدتي الجيش 58 و49، وقواعد عسكرية روسية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأرمينيا، وأكثر من 100 طائرة ومروحية، منها مجموعة تابعة للوحدة الرابعة من الجيش الدفاعي الجوي، فضلاً عن 20 تجمعا من القوات الخاصة، بين 6 و16 أغسطس، تستعمل عناصر من تلك التدريبات في شبه جزيرة القرم وفوق البحر الأسود وبحر قزوين.في الوقت نفسه، وقعت الحادثة المتعلقة بمصادرة الناقلة الروسية قبل أيام من إطلاق حلف «الناتو» وشركائه الإقليميين التدريبات العسكرية «أجيل سبيريت» لعام 2019 في جورجيا (بين 27 يوليو و9 أغسطس). تشمل هذه المناورات أكثر من 3 آلاف جندي من 14 بلدا من أعضاء «الناتو» والدول الشريكة، بما في ذلك أوكرانيا، وتهدف هذه التمارين إلى تقوية العمليات والتدريبات المشتركة، فضلاً عن تحسين القدرات التشغيلية لدى المشاركين في خضم التخطيط للعمليات العسكرية وتنفيذها في الوقت الحقيقي. كذلك، ترمي تلك التدريبات السنوية التي تقام في جورجيا منذ عام 2011 إلى ترسيخ الاستقرار والأمن في منطقة البحر الأسود.بعد معرفة خلفية هذه الأحداث، لا مفر من التساؤل: لماذا أرسلت روسيا سفينة شحن قديمة (وهي السفينة التي اتهمتها كييف بانتهاك القانون الدولي خلال المناوشات البحرية في مضيق «كيرتش» في 25 نوفمبر) إلى ميناء أوكراني؟ يظن خبراء أمن مرتبطون بموقع «البوابة العسكرية الأوكرانية» أن «هذه التحركات نوع آخر من الاعتداءات المختلطة بحرا، وصدر القرار بتوجيه الناقلة إلى أوكرانيا على الأرجح لاستفزاز دولتنا، وقد يكون ذلك جزءا من عملية خاصة» بناء على تجربة من عام 2018، وبالتالي لا يمكن أن يستبعد أحد تدهور الوضع الأمني البحري من خلال استغلال الظروف الخفية التي أنشأتها التحركات الآنف ذكرها. ونظرا إلى هذه الظروف، يحاول الملازم أولكسندر سكيبالسكي، نائب رئيس «خدمة أمن أوكرانيا» السابق (بين 1997 و1998، وبين 2006 و2007)، جذب انتباه الرأي العام إلى المؤشرات التي تنذر بحصول «هجوم روسي» وشيك. فحذر قائلاً: «نحن في حالة حرب، لا شيء مستحيلاً! لا يخفي المعتدي نيته تدمير دولتنا، يكفي أن نسمع تصريحات السياسيين والنواب في بلدهم، لذا يجب أن نتأهب ونتحرك ونبقى على أتم استعداد للرد على أي هجوم».
مصادرة الناقلة الروسية وقعت قبل أيام من إطلاق «الناتو» وشركائه الإقليميين تدريبات عسكرية في جورجيا خلال يوليو وأغسطس
التغطية الإعلامية الروسية اعتبرت احتجاز أوكرانيا سفينة «نايما» عملاً استفزازياً رغم سماحها لطاقم السفينة بالعودة إلى دياره
التغطية الإعلامية الروسية اعتبرت احتجاز أوكرانيا سفينة «نايما» عملاً استفزازياً رغم سماحها لطاقم السفينة بالعودة إلى دياره