من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان عند ابتلائه بالمرض، وبعد أن يشتد مرضه، أن يكتشف رصيدَه من محبة الناس وقربه منهم أيام صحته وعافيته؛ فيرى ظاهرة فريدة، ينبغي أن يحمد الله عليها ليل نهار، إذ يكتشف حجم محبة الناس له وقربه منهم بصورة رائعة أكثر مما كان يتصور أو يتخيل؛ فيأتيه الزوار من الأهل والأصدقاء والأحباء، وتنهال عليه الاتصالات، ويدرك حينها أنه كان ودوداً طيباً واصلاً للناس، فما أن جاءت ساعة شدته حتى وجد ما لا يعد ولا يحصى من الناس تهتم لأمره وتشاركه ألمه وتقترب من مشاعره وتشاطره ساعاته ولحظاته؛ منهم من يفاجئك بالبيت، وآخرون بالمستشفى، وفريق ثالث باتصال يومي مباشر، وفئة رابعة تسافر إليك حيث تعالج، لتراك بعينها ويطمئن قلبها، وخامسة تلهج ألسنتها بالدعاء الذي لا ينقطع لك، لدرجة أن من ينقل إليك الأخبار ويوصل التحية والسلام يقول لك عجبت مما رأيت، فلم أر أحداً ممن يعرفك إلا رفع كفيه بالدعاء لك، فهؤلاء رواد المسجد يذكرونك ويدعون لك، وأولئك ربع الديوانية يتقاطرون بالسؤال عنك، وتلك ثلة زملاء العمل يذكرونك ويدعون لك، حتى زملاء الدراسة في كل المراحل يخرجون من كل صوب وحدب حباً ووداً لك، والأقرباء والأهل يلحون بالسؤال عنك ويُخجِلونك برفقتهم، حتى لكأنك تشعر بأن الأجانب والأغراب يهتمون لأمرك، ناهيك عن الأحباب والأصدقاء الذين لا ينسونك أبداً وأنت في قلوبهم وعقولهم. ويبهرك ذلك الكم ممن يتطوع بوصف دواء أو شرح علاج أو إرسال معلومة طبية أو شعبية مفيدة، لدرجة أن كثيرين يقدمون النصح والوصفات العلاجية، وهم لا يعرفون حقيقة وطبيعة المرض الذي تعانيه، ولا تبالي بما تكتشفه في نَفَر قليل ممن يبث طاقة سلبية أو لا يهتم بالسؤال عنك، فهؤلاء نسأل الله لهم العافية.
فاللهَ اللهَ في حُسن وصل الناس والإحسان إليهم والود معهم، وتحديداً بر الأهل والأقرباء، والحرص على طيب ذكر الأصدقاء والزملاء، لتدرك أنه حتى من كان لك خصماً أو مختلفاً معك رأياً أو فكراً، أو من كان يغار منك أو يحسدك، هو من أوائل من يسأل عنك ويذكرك بخير؛ فتدرك كم كنت واصلاً ومحباً وموضع احترام وتقدير حتى لدى هؤلاء، فتحمد الله كثيراً، فقد علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن خير الناس من خالط الناس، وأحسن إليهم وصبر على من يسيء إليه منهم، وعلمنا الدين أن حب الناس وشهادتهم رصيدك الدنيوي والأخروي، وعلّمنا أهلنا أن حب الناس غاية لا تشترى بالمال ولا بالمناصب، وربانا المجتمع الكويتي الأصيل على أن من ذكره الناس بالخير فإن رصيده لا ينضب. واعلم يا من تقرأ هذه السطور بأنه إذا أحبك الناس وجبت لك محبة الله، فلا تتعالى ولا تتكبر ولا تغرك صحة ولا منصب ولا مال ولا جاه ولا أي أمر مما يزهو أمامك في الدنيا، فالعبرة الحقيقية عند المرض وبعدك عن مناشط عديدة في الحياة، وزوال تلك الفضائل الدنيوية عنك، أن تجد محبة أهلك وأبنائك والنَّاس رفقتك بصورة تعجز عن تصورها، فتتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَاناً فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأرض".فالحمد لله الذي لا يحمد على شيء سواه.
أخر كلام
عِبر وحِكم مرحلة المرض والعلاج (3)
14-08-2019