صورة جديدة
كمثقفين ينجذب اهتمامنا دوما إلى الأخبار التي نشعر بأنها مهمة لتحليلها وعرضها للقارئ، صحيح أن الشأن الداخلي أحياناً يكون بالنسبة لنا أكثر جاذبية للتحليل والعرض من الخارجي، لأسباب تتعلق في الغالب بمزاجية الكاتب والهوى والعاطفة، لكنني أعتقد جازماً أن الشأن الخارجي يظل الأكثر استحواذاً وإثارة.ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات خبر طالعته منذ عدة أيام عن لقاء النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد لرئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي آل خليفة، إذ أرى، من وجهة نظري، أن هناك بالإضافة إلى اعتبارات التعاون وعمق العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط الشقيقتين الكويت والبحرين، فرصة متاحة أمام البلدين للتعاون في هذا الشأن، لاسيما مع ما تملكه البحرين من إرث تاريخي بوصفها مهدا للحضارة الدلمونية القديمة ونقطة اتصال بين طرق تجارة الشرق والغرب، كذلك دولة الكويت لا تزال الدراسات الميدانية والحفائر والشواهد الأثرية الحديثة في عدة مناطق مختلفة كالقرين ووارة وبرقان وتل الصليبيخات والصبية، تؤكد عمقها الحضاري الذي امتد في بعض مناطقها إلى ما قبل الميلاد، ومنها القلعة الهلنستية، والمعبد البحري، وتل الخزنة، وجزيرة فيلكا (إيكاروس) إضافة إلى المدينة الدلمونية، حيث يربط الأثريون هذه الشواهد المكتشفة بأراضي وجزر الكويت وبين حضارة دلمون البحرين، فضلاً عن الدور المرصود للبحرين في فترة بداية العصر الإسلامي، كما عثر في الكويت على مسكوكات نقدية ترجع إلى العصر الأموي، إلى جانب شواهد تاريخية ترجح أن الكويت كانت تقع على طريق الحج القديم المسمى بطريق زبيدة، وفي ظني أن استغلال هذا الامتداد التاريخي للبلدين، كاف ربما وحده، لخلق وتعزيز صورتهما ودورهما الحضاري الممتد منذ القدم في بناء الحضارة الانسانية.
أخيراً أتمنى أن أرى جهات ومؤسسات غير حكومية، تمول هذه النشاطات الكشفية والحفائر الراقدة تحت تراب الكويت مثمناً في هذا الإطار ما تقوم به دار الآثار الإسلامية التي تقودها الشيخة حصة صباح السالم، إذ يبقى للمجتمع وأفراده دور مهم في التطوع بالجهد والوقت والمال لاستثمار مواقع هذا الثراء التاريخي لكشف المزيد من ثروات البلاد وتنميتها، فلا شك أن هذا النوع من النشاط سيزيد شعور الأجيال القادمة بالفخر لانتمائها إلى هذا الوطن الغالي وإبراز عمق تجذره الإنساني، بل يمكن من خلال هذا الدور أيضاً تصحيح الاعتقاد السائد بين الأكثرية بأن الكويت فقط «نفط وصحراء»، فالكويت أرض ووطن وجذور تاريخية راسخة وستبقى دوماً منبعاً للعطاء والخير بأهلها وحكامها الأوفياء، فهل نحن مستعدون لرسم هذه الصورة الجديدة للكويت؟!