السودان يفتح صفحة جديدة بتوقيع الإعلان الدستوري
• احتفال شعبي بالانتقال للحكم المدني بحضور دولي
• تسمية عمر للدفاع والحبر رئيساً للقضاء
طوى السودانيون صفحة 30 عاماً من حكم نظام عمر البشير، عبر التوقيع النهائي على وثيقة الإعلان السياسي، ووثيقة الإعلان الدستوري، اللتين تمهدان لإعلان تشكيل الحكومة، وبداية الفترة الانتقالية.
من الحركة الاحتجاجية التي أدت إلى سقوط الرئيس السابق عمر البشير إلى التوقيع، أمس، على اتفاق يمهد الطريق لمرحلة انتقالية نحو حكم مدني، تمكّنت الإرادة الشعبية من الانتصار على حكم العسكر الذي حكم بيد من حديد، وامتد نحو 3 عقود. وبعد نحو ثمانية أشهر من الإطاحة بحكم عمر البشير قتل خلالها أكثر من 250 شخصا في عملية قمع التظاهرات، احتفل السودان امس، ببدء تنفيذ الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين المجلس العسكري الحاكم وقادة الحركة الاحتجاجية بهدف الانتقال إلى الحكم المدني الذي يأمل السودانيون أن يجلب لبلدهم مزيداً من الحرية والازدهار الاقتصادي.وخلال حفل أقيم في قاعة تطلّ على نهر النيل، وقّع قادة المجلس العسكري الانتقالي وزعماء الحركة الاحتجاجية وثائق الاتفاق الذي يحدّد فترة حكم انتقالية مدّتها 39 شهراً.
ورغم أنّ الطريق إلى الديمقراطية لا يزال حافلا بالكثير من العقبات، فإنّ الأجواء الاحتفالية خيّمت على البلاد التي استقبلت، أمس، عددا من المسؤولين الأجانب، إضافة إلى الآلاف من المواطنين من جميع أنحاء السودان الذين تقاطروا على الخرطوم للمناسبة.
حضور دولي
وحضر الحفل الرسمي، أمس، رؤساء تشاد إدريس ديبي، ودولة جنوب السودان سيلفاكير ميارديت، وكينيا أوهورو كينياتا، ورئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، ورئيسا وزراء اثيوبيا أبي أحمد، الذي حظي بتصفيق كبير عند ذكر اسمه في بداية احتفال التوقيع، ومصر مصطفى مدبولي، وعدد من وزراء خارجية الدول الأخرى بينهم وزراء خارجية تركيا وأوغندا وجيبوتي ورئيس البرلمان العربي وممثلو المنظمات الإقليمية والدولية.وأعلن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، أن وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير ترأس وفد المملكة المشارك في حضور مراسم توقيع اتفاق الخرطوم.كما شاركت الكويت في حفل توقيع الترتيبات الانتقالية، بوفد ترأسه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح.وغاب عن حفل الأمس، المجموعات المتمرّدة في المناطق المهمّشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان.وكانت "الجبهة الثورية السودانية" التي توحّدت هذه الحركات تحت رايتها دعمت الحركة الاحتجاجية، لكنّها رفضت الإعلان الدستوري وطالبت بتمثيل في الحكومة وبمزيد من الضمانات في محادثات السلام.وأنهى الاتّفاق الذي تم التوصل إليه في 4 أغسطس نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات التي بدأت بتظاهرات حاشدة ضدّ البشير الذي أطاح به الجيش تحت ضغط الشارع في أبريل، بعد 30 سنة من حكم السودان بقبضة من حديد.وقام كل من الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا بوساطة قادت الى الاتفاق الذي رأى فيه المتظاهرون انتصاراً لـ"ثورتهم"، بينما رأى فيه الجنرالات تكريساً لفضلهم في تجنيب البلاد حرباً أهلية.وفي مدينة عطبرة، مهد الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر 2018، رقص الناس وغنّوا في محطة القطار أمس الأول، بينما كانوا يستعدّون لركوب القطار باتجاه الخرطوم للمشاركة في احتفال الأمس. وهتف المحتفلون "مدنية، مدنية"، متعهّدين بالانتقام للقتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات.واحتفت الصحف السودانية الصادرة صباح السبت بـ "الانتقال التاريخي". وكتبت صحيفة "التيار" في صفحتها الأولى: "البلاد تبدأ اليوم الانتقال التاريخي نحو الديمقراطية"، بينما عنونت صحيفة "السوداني": "الخرطوم تستعد للفرح الأكبر".المجلس السيادي
وقال الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الفريق ركن شمس الدين كباشي، رئيس اللجنة السياسية، إن المجلس اختار خمسة من أعضائه الحاليين لتمثيله في المجلس السيادي.وكشف كباشي، في تصريحات صحافية أمس، أن أعضاء المجلس السيادي من طرف المؤسسة العسكرية هم: الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي"، والفريق شمس الدين الكباشي، والفريق ياسر العطا، مشيراً إلى اختيار الفريق أول جمال عمر لتولي حقيبة الدفاع في حكومة المرحلة الانتقالية.من ناحيتها، اختارت "الحرية والتغيير" تاج السر علي الحبر رئيسا للقضاء بعد أن رفض المجلس العسكري في وقت سابق ترشيح عبد القادر محمد أحمد، لهذا المنصب.وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية الخميس الماضي، أنّهم اتّفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيساً للوزراء.وسيحكم البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة مجلس سيادة يتألف من 11 عضواً. ونص الاتفاق على أنّ يعين العسكر وزيري الداخلية والدفاع.خطوات أولى
ومع التوقيع الرسمي على الاتفاق، أمس، سيبدأ السودان عملية تشمل خطوات أولى فورية مهمة من أجل إطلاق الحكم المدني. إذ سيتم اليوم، إعلان تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد الذي سيتألف بأغلبيته من المدنيين وتشكيل الحكومة في 28 أغسطس، ثم يلتقي الوزراء مع المجلس السيادي في الأول من سبتمبر للمرة الأولى.وستجرى انتخابات عامة بعد المرحلة الانتقالية البالغة 39 شهرا والتي بدأت 4 أغسطس. لكنّ العديد من السودانيين يشكّكون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح القوى العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات.وأحد أكثر النتائج الدبلوماسية الفورية المرتقبة للحلّ الذي تمّ التوصّل إليه هذا الشهر، هو رفع تعليق عضوية البلاد الذي فرضه الاتحاد الإفريقي على السودان في يونيو.المبعوث الإفريقي: «فترة وفكرة» وراء نجاح المفاوضات
أكد المبعوث الإفريقي للسودان محمد الحسن ولد لبات، أنه كان مقتنعا بعدم نجاة السودان من مصائر دول مثل سورية، وجنوب السودان، والصومال إلا بإحراز اتفاق تتشابك فيه الأيادي والإرادات والنوايا الحسنة، وهو ما حصل في النهاية على حد تعبيره.وأوضح أنه اتبع استراتيجية بسيطة جدا تتخلص بعبارة "فكرة، فترة"، موضحا: "كلما كانت هناك فترة معينة وضعت على الطاولة فكرة واحدة يتمحور حولها كل الجهد، وعندما نتجاوزها نطرح فكرة جديدة في فترة أخرى، فكرة فترة، وفترة فكرة".ولفت إلى أن "المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير كانت شاقة وصعبة"، مشيراً إلى أن "ما حدث هو انتصار كبير لجهود الاتحاد الإفريقي، وأن ما جرى خطورة جبارة للسودانيين نحو الخلاص".