همس الموجة... وخوفهن! *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
ينتظرن بحرقة والعرق يبلل ملابسهن فتلتصق حتى تبرز كل المفاتن التي كن يحاولن إخفاءها عن أعين «المتطفلين»، ومع نزول الشمس تدريجياً قد تتجرأ إحداهن فتقتحم تلك المساحة المخصصة للرجال، ألم يصبح البحر للرجال فقط؟! فيرتدي بعضهن المايوه الشرعي كما يحببن تسميته ويجرين نحو الموجة فتهمس لهن: لن تسمح مثل هذه الملابس بأن تطفأ حرارة جسد تسمر فوق الرمال الحارقة ساعات النهار الطويلة! وهن في جلوسهن هذا يحتسين كل المشروبات المثلجة بحثاً عما يطفئ ذاك الغليان، تقتحم نساء وفتيات أخريات البحر، يداعبن الموج ويمارسن الرياضات المائية كما الرجال... فما يكون من نساء الشاطئ الملتهب إلا أن يمصمصن شفاههن منتقدات تلك النسوة «الفاسقات» أو على أقل تقدير غير المحتشمات! هنا اقتنعن بما قال لهن أزواجهن بأن البحر للذكور والشاطئ للنساء وأنهن إذا أردن النزول إلى البحر فلابد أن يكون ذلك تحت عتمة الليل كما كل شيء في تلك المجتمعات، كل التناقضات... أن تفعل الشيء في النور حرام حرام، أما إذا أخفيته في الظلمة فهو حلال! يخضع الكثير من النسوة لتفسير كهذا ويلتزمن به فيما كل المنطق والعقل والعلم وحتى الدين لا تأمر بتعذيب النفس... أليس في وجودهن على الشواطئ الساخنة تعذيب للنفس؟! وإلا فلمَ لا تذهب النساء في الصيف الحارق بحثاً عن بقعة تمنحهن بعض البرودة المستحبة في مثل هذه الأيام الحارقة في مدن الأسمنت؟! لمَ لا يبعدن عن الشواطئ التي لا تعرف سوى نداء الموجة ولا يطفئ نار الصيف عندها سوى ماء البحر المثلج في الكثير من الأحيان حتى يقشعر البدن؟!كانت الشواطئ قديماً ملونة، وكانت النسوة يتمشين بالمايوهات التي تسميها الصحافة الصفراء اليوم «الفاضحة» وتطارد المشاهير من النساء فقط لتفرغ كثيراً من تخلفها ونظرتها الضيقة وكبتها أو كبتهم سعياً وراء الإثارة حين اختفت كل أنواع الفنون والنماذج الصحافية المحترمة وتركت الفضاء للزبد وما تجرفه الموجة من وسخ البحر وفضلات زواره.أصبحت الشواطئ اليوم أحادية اللون ومكررة المظهر وتحول شعر المرأة إلى عورة عليها أن تخفيها دوماً وإلا أثارت غرائز الرجال الذين لا تفكير لهم سوى اصطياد فريسة إما بنظرة أو لمسة، وكلها جارحة، وكل ذلك تحقير للرجال على أنهم كائنات غرائزية! تبرر الكثيرات تحملهن لكل هذا العذاب على أنه «حر الدنيا ولا حر الآخرة!!» لكل واحدة منهن تفسيرها الخاص لكل هذه العلاقات المشوهة التي تبرز بشكل واضح عندما تستدعيهن الموجة فلا يستجبن بل ينكفئن على أنفسهن عند خاصرتها ينظرن إليها من بعيد، والخوف يملأ عيونهن، مرة خوفاً من أن ينتبه أحدهم إلى الرغبة المدفونة لرمي أنفسهن في ماء البحر، ومرات خوفاً مما قيل لهن عن عذاب جهنم! كل مواقفهن مبنية على عدد من التهديدات وعبارات التخويف ليس إلا... لا شيء عن التسامح والمغفرة والمحبة وتكريم الإنسان فوق كل المخلوقات.تنادي الموجة كثيرات منهن، ويبقين هن عند الشاطئ خوفاً من شيء ما!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية