كتبت في هذه الزاوية بتاريخ 3 يوليو 2019 مقالاً بعنوان «الكاتب العربي والنشر»، وتالياً وبتاريخ 17 يوليو 2019، مقالاً آخر بعنوان «الكاتب العربي وريادة الأعمال»، وقد يشكل هذا المقال تكملة لما جاء في المقالين، وذلك بتسليط الضوء على زاوية أخرى من زوايا عالم الكاتب العربي. فأنا معجب ومقدّر جداً للجهد الكبير الذي يبذله الكاتب العربي، سواء كان شاباً أو مخضرماً، ولروح التصميم والإرادة التي يتحلى بهما. فهو يبدأ بالفكرة ويطورها عبر معايشة التفكير بشخوصها وأحداثها، ويشرع بخوض بحر كتابتها مستعيناً بالخيال واللغة، ويسير مع شراع سفينتها، ويأخذ وقتاً طال أو قصر لحين ينتهي من كتابتها بصيغتها الأولى، ويعيد النظر فيها ويكتبها مرة أو مرتين أو يزيد، ثم يعرضها على بعض صحبه ممن يثق برأيهم، قبل أن يتخذ قراره بنشرها، وهنا يحمل الكاتب المهتم بنصه وسمعته عمله الأدبي إلى مصحح لغوي ذي خبرة كي يتأكد من أنه ما جاوز نحواً أو صرفاً أو إملاءً أو علامة ترقيم في نصه.بعد ذلك تبدأ رحلة التعاقد مع الناشر، والكاتب العربي المحظوظ من يحصل على مبلغ صغير مقابل كتابه، أو دفعة مقدمة. بل يصل الأمر إلى أن مجموعة كبيرة من الكتّاب العرب، وخاصة فئة الشباب، يدفعون من جيوبهم كي ينشروا كتاباً. ولأنه يندر جداً وجود ناشر عربي بقسم «مراجعة-Editing» في دار نشره، فإن الكتاب، وأياً كان جنسه، عادة ما يتم صفه ونشره كما جاء من الكاتب نفسه، وأحياناً بأخطاء فاحشة وفاضحة. كما أن قلة قليلة جداً تلك الدور العربية التي ترعى منشوراتها، وتهتم لعمل كل أنواع الدعايات التي تساندها. ولذا وجب على الكاتب العربي البحث عن ناقد يقدم كتابه لجمهور القرّاء ومن ثم منصة لنشر مقال الناقد. وإذا ما أخذنا بالحسبان طبيعة ساحة النقد العربي القائمة حالياً، وأن الناقد العربي المتوفر على علم بنظرية النقد ومدارسه، بات عملة نادرة، بسبب هجرة النقاد لساحة النقد واتجاههم للكتابة الإبداعية في مختلف أجناسها. وعليه والحال هذه، وفي ظل نقد يتحرك ضمن دائرة العلاقات الشخصية، ودائرة كتب دور نشر بعينها، ودوائر شللية واضحة، فإن حظ الكاتب العربي البعيد عن دور النشر بعينها وصداقات تلك الشلل، حظه جد ضئيل بالعثور على ناقد يلتقط كتابه ويكتب مقالاً نقدياً عنه.
إن وجودي في الساحة الثقافية، جعل الكثير من الأدباء، وتحديداً فئة الشباب يتواصلون معي ويرسلون كتبهم إليّ بغية الكتابة عنها حتى لو من باب الخبر، وهذا ما يجعلني أقف متأملاً تشظي عالم النقد والناقد العربي. فباستثناء مجموعة معروفة من الأسماء النقدية العربية موزعة على مختلف الأقطار العربية، ما عاد من حركة نقدية حاضرة وقادرة على موازاة ورصد الجديد على ساحة الإبداع العربي، خاصة النشاط الذي تشهده ساحة النشر العربي.وصار من الصعوبة بمكان على القارئ ملاحقة الجديد في الرواية والقصة والشعر وربما المسرح وغيره، ومؤكد أن الأمر ذاته يعانيه الناقد العربي، فعن أي رواية أو مجموعة قصصية يكتب، وأي منبر يقصد، خاصة أن مجموعة كبيرة من الجرائد والمجلات العربية لا تدفع أي مبلغ مقابل الكتابة النقدية. وكل هذا في المحصلة يجعل الكاتب العربي في عطش دائم وامتنان لأي مقال نقدي يُكتب عن نتاجه الإبداعي.النقد وفي تعريفه الأبسط؛ هو إبداع لاحق لإبداع سابق، وهو في جوهره يقوم على دراسة وهضم النظرية النقدية بمختلف مدارسها، ثم انتهاج خط للكتابة النقدية الذاتية، يكون بمنزلة البصمة للناقد، وما أصعبها من مهمة وعمل جليل ينهض به الناقد!
توابل - ثقافات
الكاتب العربي والنقد
21-08-2019