شهد شهر أغسطس الجاري منحى جديداً في ملف الحرب التجارية بين واشنطن وبكين مع فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية جديدة على الصين يبدأ العمل بها في سبتمبر المقبل التي تم تأجيل تنفيذها حتى ديسمبر من العام الحالي وسط نفي الإدارة الأميركية الحالية لأي تأثير سلبي للرسوم على الاقتصاد الأميركي وهي النقطة الأبرز في برنامج ترامب الانتخابي لعام 2020.

ويتضح تركيز الرئيس الأميركي على مكانة الاقتصاد في صميم مشروعه وبرنامجه الحالي والمستقبلي الجاذب للناخب الأميركي في الكثير من المحطات والتصريحات، وهو ما برز بوضوح في خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي ألقاه ترامب أمام الكونغرس في فبراير من العام الحالي وسلط فيه الضوء على إنجازات إدارته الاقتصادية وخاصة لجهة الارتفاع في عدد الوظائف قائلاً: "حالة اتحادنا قوية... تحدث الآن معجزة اقتصادية في الولايات المتحدة".

Ad

وتصاعد الجدل حول ما إذا كان للحرب الأميركية - الصينية ارتدادات سلبية على الاقتصاد الأميركي عندما انخفض مؤشر "داو جونز" الأربعاء الماضي بنحو 800 نقطة أو حوالي 3 في المئة في أسوأ أداء له خلال العام الحالي.

وجرى اعتبار الانخفاض في مؤشر "داو جونز" انقلاباً في منحنى العائد وهو ما يعني أن أسعار الفائدة انقلبت على سندات الخزانة الأميركية مع سندات قصيرة الأجل تدفع أكثر من سندات طويلة الأجل وهو ما ينظر إليه عموماً على أنه علامات تحذير للاقتصاد والأسواق ومؤشر على ركود اقتصادي يظهر عادة بعد عدة أشهر من انقلاب منحنى العائد.

وفي ردة فعل أولية على الأرقام وتداعياتها المحتملة، أكد الرئيس الأميركي في اليوم ذاته أن الولايات المتحدة تربح من سياستها تجاه الصين ومشكلتها مع سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي.

وقال ترامب في تدوينة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" "نحن نفوز ضد الصين بشدة والشركات والوظائف تفر منها ولم ترتفع الأسعار لدينا حتى أنها انخفضت في بعض الأحيان" مؤكداً أن "مشكلة الولايات المتحدة هي مع الاحتياطي الفدرالي الذي رفع "الفائدة" كثيراً وبسرعة ثم كان بطيئاً في خفضها".

وفي تغريدة أخرى قال ترامب، إن الكثير من الدول تشكر مدير مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الذي وصفه بأنه "لا يفقه شيئاً" مضيفاً أن "ألمانيا والكثير "من البلدان" غيرها تلعب اللعبة".

وفي سياق متصل، أعلن ترامب في التاسع من الشهر الحالي أنه "اتخذ قراراً بعدم التعامل" مع شركة الاتصالات الصينية "هواوي" وأن إدارته "ليست مستعدة لعقد صفقة تجارية مع الصين" لكنه أكد وجود "حوار مفتوح" بين البلدين وأن النقاش جارٍ حول ما إذا سيتم عقد اجتماع أمريكي - صيني في سبتمبر المقبل.

وشدد ترامب على أن الصين تتلاعب بالعملة وأنها تمر بالفترة الأسوأ اقتصادياً منذ 35 عاماً، مؤكداً أن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة "عظيم".

وفي 13 أغسطس الجاري قال الرئيس الأميركي، إنه تلقى اتصالاً "جيداً جداً ومثمراً من الصينيين" مؤكداً مرة جديدة قوة الاقتصاد الأميركي وأن أسواق البورصة في الولايات المتحدة على خير ما يرام وتسجل أرقاماً قوية جداً".

وأضاف أن الصينيين أعربوا خلال الاتصال عن نيتهم "شراء منتجات زراعية" من الولايات المتحدة في تهدئة لهواجس المنتجين الزراعيين الأميركيين وذلك بعدما أعلنت وزارة التجارة الصينية تعليق شرائها للمنتجات الزراعية الأميركية كرد فعل على إعلان الإدارة الأميركية أنها ستبدأ في الأول من سبتمبر المقبل فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 في المئة على ما قيمته 300 مليار دولار من البضائع والمنتجات الصينية الصادرة الى الولايات المتحدة.

وفي اليوم ذاته، أعرب ترامب عن أمله بانتهاء الاشتباكات بين المتظاهرين المعارضين للحكومة والقوات المسلحة في هونغ كونغ سلمياً ولمصلحة جميع الأطراف بما فيها الصين، نافياً أي علاقة للولايات المتحدة بالاضطرابات فيها.

ولم يربط الرئيس الأميركي حينها بين احتمال تأثير أسلوب تعامل الصين مع الاحتجاجات على المفاوضات لكنه أعرب، أمس الأول، في تصريح للصحافيين عن أمله أن يحل الرئيس الصيني شي جين بينغ المسألة بطريقة إنسانية وهو ما سيكون "جيداً جداً للصفقة التجارية".

كما لوح الرئيس الأميركي في 13 أغسطس الجاري بانسحاب بلاده من منظمة التجارة العالمية "إذا لزم الأمر" معتبراً أن الصين "نهبت الولايات المتحدة سنوات واستغلت أموالها ودعم منظمة التجارة العالمية وأنظمة منظمة التجارة العالمية".

وكان ترامب قال في مذكرة في أواخر يوليو الماضي، إن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة "يو. اس. تي. ار" "سيستخدم جميع الوسائل المتاحة لضمان إجراء تغييرات في منظمة التجارة العالمية ومنع الدول التي تسمي نفسها نامية من الاستفادة من المرونة في قواعد المنظمة".

وحول تأثير السياسة الاقتصادية للإدارة الحالية السلبي ومن ضمنها تلك الموجهة نحو الصين على الاقتصاد الأميركي قال مستشار البيت الأبيض الاقتصادي لاري كادلو في مقابلة الأحد مع شبكة "فوكس" الإخبارية "إنني لا أرى ركوداً اقتصادياً في الأفق".

وأضاف "لا أرى ركوداً على الإطلاق" لافتاً إلى أن برنامج ترامب الاقتصادي نجح على صعيد خفض الضرائب والانفتاح في ملف الطاقة وإصلاح التجارة وغيرها، مؤكداً أن الإدارة الحالية تريد "اقتصاداً موجهاً نحو الحوافز مع توفير الفرص للجميع في جميع المجالات".

ولفت كادلو إلى أنه لاحظ "أن العديد من شركات "وول ستريت" عززت توقعاتها للنمو الاقتصادي في نهاية الأسبوع" مضيفاً "أعتقد أننا في حالة جيدة".

ودعا الى "عدم الخوف من التفاؤل" مستنكرا الحديث "عن التشاؤم والركود".

ومن جهته نفى مستشار البيت الأبيض التجاري بيتر نافارو الأحد الماضي في مقابلة مع شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية تسجيل منحنى عائد مقلوب الأسبوع الماضي، بل منحنى عائد مسطح.

وقال نافارو، إنه "من الناحية التقنية لم يكن لدينا منحنى العائد مقلوباً بل مسطح" موضحاً أن "منحنى العائد المقلوب يتطلب فروقاً كبيرة بين الأمدين القصير والطويل للسندات".

وأضاف أن "منحنى العائد المسطح هو إشارة ضعيفة جداً لأي احتمال حصول ركود".

وبين نافارو أن الأمر على عكس ما وصف بأنه مؤشرات ركود إذ "إن منحنى العائد يرسل بالفعل إشارة إيجابية" مؤكداً أن "رأس المال الأجنبي يتدفق إلى سوق السندات بسبب قوة اقتصاد ترامب الذي يرفع أسعار السندات على المدى الطويل ويخفض العوائد ما يؤدي إلى المنحنى المسطح".

ولفت إلى "أن المنحنى المسطح هو في الواقع نتيجة لاقتصاد ترامب قوي جداً".

وشكك نافارو في أن الحرب التجارية مع الصين كان لها تأثير على الاقتصاد، وأشار بدلاً من ذلك إلى مجلس الاحتياطي الفدرالي الذي قال إنه رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم وبسرعة كبيرة.

كما اكد مستشار البيت الأبيض التجاري في حديث لقناة "اي. بي. سي" الإخبارية "لدينا أقوى اقتصاد في العالم والمال يتدفق إلى أسواقنا المالية".

إلى ذلك أكد ترامب للصحافيين قبيل عودته من ولاية "نيوجيرسي" الأحد الماضي أن "الاقتصاد الأميركي في حالة جيدة جداً، وهو الأقوى في العالم ولم تكلف الرسوم الجمركية الأميركية على الصين شيئاً وإن كلفت فقد كلفت القليل جداً".

وكرر ما قاله سابقاً عن أن "الصين تلتهم الرسوم الجمركية بسبب قيامها بالتلاعب النقدي كما يقوم الصينيون بضخ الكثير من الأموال في بلادهم لأنهم لا يريدون أن يفقدوا وظائفهم".

وأضاف أن "الصينيين يخسرون فلقد فقدوا أكثر من مليوني وظيفة في فترة زمنية قصيرة وهم يريدون عقد صفقة معنا وسوف نرى ماذا سيحدث".

ومن المؤكد أن إثبات إدارة ترامب أن لسياساتها الاقتصادية بكامل أوجهها ومن ضمنها تلك التي تنتهجها مع الصين تأثيراً إيجابياً على الاقتصاد الأميركي له بالغ الأثر على موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة وهو ما يفسر حرصه وحرص فريقه الاقتصادي على التشديد عليه.