تنامت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية دعوات تطالب بضرورة ترميم قصر الأمير سعيد حليم في شارع شمبليون بوسط القاهرة، والذي يتعرض لإهمال شديد منذ سنوات طويلة، رغم أنه تحفة معمارية رائعة، وبين حين وآخر يتوافد طلاب كليات الفنون الجميلة لالتقاط صور لمبنى القصر الأثري أو الجلوس على مقهى مواجه له ورسمه بالريشة والألوان.
الأهمية التاريخية
ورغم الأهمية التاريخية والأثرية للقصر، وإدراجه قبل نحو 17 عاماً كمبنى أثري، في عام 2002، فقد تحوَّل خلال السنوات الأخيرة إلى مرتع لمتعاطي المخدرات، وتتراكم على أسواره العالية من الخارج أكوام من المخلفات، مما أدى إلى تشويه القصر، واستياء عشاق الآثار من المصير الذي وصل إليه حال المكان. ويظن الكثيرون خطأ أن القصر كان لعالم الآثار الفرنسي الشهير شمبليون (الذي نجح في فك رموز حجر رشيد والتعرف على اللغة المصرية القديمة)، نظراً لوجود القصر في شارع شبمليون، لكن الحقيقة أن هذا القصر ذا الطراز المعماري النادر، أنشأه الأمير سعيد حليم حفيد محمد علي باشا عام 1895 لزوجته، وقد أوكل إلى المعماري الإيطالي الشهير «أنطونيو لاشياك» بتصميم القصر والإشراف على بنائه، الذي صممَ العديد من الأبنية الشهيرة في القاهرة، مثل قصر المنتزه والمقر الرئيسي لبنك مصر، واستغرق بناؤه نحو أربعة أعوام.اللافت في قصة هذا القصر، أن زوجة الأمير سعيد حليم رفضت الإقامة فيه وفضلت العيش في قصر آخر، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 بسبب معارضة الأمير دخول تركيا الحرب ومعاداته السياسة الإنكليزية قُلصت سلطاته، وعُزل من منصبه كرئيس للوزراء، وتم مصادرة القصر، وفي عام 1921 تم اغتيال الأمير سعيد حليم في روما.المدرسة الناصرية
وفي عام 1934، أصدر الملك فؤاد الأول مرسوماً بتحويل قصر الأمير سعيد حليم إلى مدرسة تابعة لوزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم حالياً)، وأطلق عليها المدرسة الناصرية، كما تحول القصر إلى معسكر تدريب للضبّاط إبان ثورة يوليو 1952، وبعد ذلك أخلَت المدرسة القصر وظل مغلقا ومهجوراً ولم يُستغل في أي شيء حتى الآن.القصر الذي يحلم بالترميم على غرار عملية الترميم التي يخضع لها قصر البارون حالياً، يطالب البعض بتحويله هو الآخر إلى متحف أو مزار سياحي يعكس مرحلة مهمة من تاريخ مصر، والقاهرة الخديوية على وجه التحديد، أو استغلاله لمركز لإشعاع الثقافة، ونشر العديد من رواد موقعي «فيسبوك» و»تويتر» صوراً تبرز مفاتن القصر، مع تعليقات تشير إلى ضرورة إنقاذه من براثن الإهمال.وعلى أبواب القصر التقت «الجريدة» شخصاً يدعى علي الصيادي كان يقف مشدوهاً ويلتقط بعض الصور لواجهة القصر، وقال: «أنا مواطن سعودي أحرص على زيارة القاهرة الخديوية باستمرار، وشغفت بجمال هذا القصر، وأتمنى أن يحظى برعاية كبيرة من جانب وزارتي الثقافة والآثار، لإعادة الروح إلى هذا المكان التاريخي الرائع».تفاصيل مهمة
ونشر متخصصون في الآثار تعليقات توضح تفاصيل مهمة عن القصر التاريخي، ذكروا فيها أنه مُشيد على مساحة 4781 متراً مربعاً، وصُمم على نمط طراز «الباروك»، الذي انتشر في أوروبا خلال عصر النهضة.والقصر عبارة عن مبنى رئيسي مكون من طابقين وبدروم وجناحين، ويطل على أربع واجهات، الواجهة الرئيسية تتميز بنمط معماري رائع التصميم فيه تماثيل فخمة، وهناك عمودان يعلوهما عقد على هيئة نصف دائرة مزين بتماثيل صغيرة لرأس سيدة، والواجهة مزخرفة برسومات نباتات طبيعية وحيوانات، وللمدخل الرئيسي سلم يؤدي إلى سلمين فرعيين، أما المدخل الصغير فيفتح على بدروم القصر.بهو كبير
والطابق الأول من القصر عبارة عن بهو كبير يمتد بطول القصر وينتهي بسلم مزدوج له فرعان يؤديان إلى الطابق العلوي، وللطابق الأول ستة أبواب تفتح على حجرات واسعة، والطابق الثاني يماثل الأول تماماً، وللقصر بدروم يحتوي على غرف للخادمات، ومطبخ وحجرات للتخزين، ودورات مياه، أما الجناحان فهما عبارة عن عنابر ذات غرف كبيرة، ويحتويان على ملحقات للقصر يتصلان من خلال ممر له أعمدة على الجانبين.ويتميز القصر بوجود زخارف بديعة، على هيئة نباتات وحيوانات وأشكال هندسية، أما النوافذ فهي مصنوعة من الخشب وتحتوي على عقود نباتية ذات أزهار، وأشكال لدروع وفيونكات للتزيين.تاريخ القاهرة
يشار إلى أن القصر بعدما أُغلق سنوات طويلة صدر قرار عام 2000 بضمه إلى وزارة الثقافة وترميمه، وقدم المجلس الأعلى للآثار مشروعاً بالتعاون مع معهد بحوث التنمية الفرنسي في القاهرة لترميم القصر وتحويله إلى متحف يحكي تاريخ القاهرة، لكن المشروع لم يدخل حيز التنفيذ ولايزال مهملاً.