في البداية، يقول الاستشاري والخبير النفطي د. عبدالسميع بهبهاني إن أسعار النفط متماسكة حول 60 دولاراً، تصعد أو تهبط قليلاً، وقد استمر ذلك قرابة شهر ونصف إلى شهرين، وهذا التماسك متحقق رغم الأسباب التالية: قوة الدولار الذي هو في تصاعد، والحرب التجارية والتخمينات بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي القادم الذي قد ينتج ركودا اقتصادياً أو كسادا، فالحرب التجارية قوية، ويفترض أن تؤثر مباشرة على النفط، ولكنه ظل متماسكاً، فضلاً عن زيادة فائض المخزون العالمي، وضعف التزام "أوبك" بقرار خفض الإنتاج (1.2 مليون برميل يومياً)، رغم التصريح بوصوله إلى 156%! وذلك لا ينسجم مع حركة الناقلات والمؤشرات الأخرى، وحركة استيراد آسيا والدول الأخرى، وهي مبنية على فرضيات غير دقيقة لم تتحقق، منها تصفير النفط الإيراني والفنزيلي وإنتاج نيجيريا وليبيا.

أضف إلى ذلك نمو الطلب العالمي، الذي كان مقدراً له ان يكون بمقدار 1.4، إلا أن النمو الحقيقي هو 1.1 مليون برميل يومياً. وفي الحقيقة يجب قراءة الرقم بدقة، حيث الطلب الآسيوي الذي يشكل 85% من نفط "أوبك" يصل إلى 1.3 مليون برميل يوميا.

Ad

وأضاف بهبهاني أن التوترات الجيوسياسية بين الدول الأعضاء في "أوبك" انتقلت إلى داخل المنظمة وأثرت على قراراتها؛ لافتا الى ان السوق النفطية كانت متوازنة وكان المتحكم الاساسي في السوق هو العرض والطلب، ومن ثم الأسعار كانت مستقرة حول المئة دولار.

سقف الإنتاج

وتابع أن زيادة سقف الإنتاج من جانب الدول الأساسية في "أوبك" حققت فائضاً في الإنتاج وانخفضت أسعار النفط.

وأشار بهبهاني إلى ان حساب تقدير الفائض حتى بعد قرار خفض الانتاج كان معتمدا على عدة فرضيات:

- التزام دول أوبك وتحالفها بقرار خفض الانتاج، الذي في الواقع لم يتجاوز الـ 85%.

- المقاطعة التامة للنفط الايراني والفنزيلي، وهو ما لم يتحقق، فحركة الناقلات واستثناء ثماني دول أدخل السوق أكثر من 2.5 مليون برميل يوميا لم تكن في حسابات الإنتاج.

- هناك نفوط أخرى لم تقدر كمياتها بدقة؛ كنفوط ليبيا ونيجيريا، مع تخفيض إنتاج كندا، فتكونت إضافات غير متوقعة.

- معدلات نمو إنتاج النفط الصخري الأميركي لم تكن متوقعة، حيث تفاوتت بين 1 و1.5 مليون برميل يوميا.

وتابع: بتقدير الاعتبارات السابقة ومصادر العرض والطلب يمكن تقدير مخزون السنوات الخمس الماضية بـ 2.7 مليار برميل. وخلال فترة يوليو 2014 إلى نهاية أبريل 2015 كان معدل فائض الإنتاج اليومي هو 1.5 الى 2 مليون برميل يوميا.

فائض المخزون

وأضاف: إذا فرضنا خلال فترة خفض الإنتاج أن التزام دول "أوبك" هو بمقدار 1.2 بمقابل 1.3 مليون زيادة في الطلب، بالإضافة الى 0.9 مليون خارج المنظمة فيكون السحب من فائض الانتاج بمقدار 3 ملايين برميل يوميا، ويكون فائض المخزون المتبقي لمعدل السنوات الخمس الماضية هو 400 مليون برميل تقريبا؛ وباعتبار تصريح الوزير السعودي أن الهدف هو عودة السوق الى توازن فترة 2010 - 2014 فهذا يعني أن الفائض المطلوب استهلاكه هو 400 - 500 مليون برميل، بحساب أن الاستهلاك اليومي هو 3 ملايين برميل يوميا بين خفض الانتاج وزيادة الطلب، وعليه فإن الفترة التي تستوجب لاستهلاك الفائض تصل إلى نهاية النصف الثاني من العام 2020؛ لافتا الى هذا التقدير الزمني ايضا يعتمد على فرضيات، منها التزام "أوبك" وحلفائها بـ 80%، وبقاء انتاج ايران حول 2 مليون برميل يوميا (رغم قرار المقاطعة الكاملة)، وبقاء انتاج ليبيا أقل من مليون برميل يوميا، وكذلك معدل نمو الانتاج للنفط الصخري الاميركي حول مليون برميل يوميا، فالولايات المتحدة أيضا لديها فائض نفطي تجاوز 150 مليون برميل عن معدل السنوات الخمس.

الحرب التجارية

من ناحية أخرى، قال بهبهاني إن الاقتصاد الأوروبي يبدو غير مقتنع بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الاميركية، وبالتالي فهو يبدو صامتا ليرى النتائج؛ أما الاهم من ذلك فهو دخول الصين بقوة في الاقتصاد الأوروبي؛ فضلا عن التورط الأميركي في الحرب التجارية، الأمر الذي جعل هناك تكدسا في المنتجات الزراعية والحيوانية، بالاضافة الى ذلك فهناك التفوق الصيني الإلكتروني الذي غزا العالم، وهو ما يفتح مجالا للحرب الالكترونية.

وأشار إلى انفتاح الصين على العالم من حيث التجارة وبصورة لافتة، خاصة افريقيا التي ضخت فيها الصين مبالغ مليارية ضخمة من الدولارات.

وأعرب بهبهاني عن اعتقاده بأن اسعار النفط الحالية سوف تتسبب في عجز الموازنات الخليجية، إلا انه أردف أن اسعار النفط سوف تنتهي هذا العام عند 65 الى 67 دولارا للبرميل، مما سيعمل على تقليل العجز الى حد ما في ميزانيات دول الخليج.

وقال إن "أوبك" تعد المحرك الرئيسي في اسعار النفط على مستوى العالم، وعليه يجب ان تتخذ قرارات في حركة الإنتاج وتطهير قرارات المنظمة من التدخلات الجيوسياسية، ولذلك عليها الحفاظ على سعر 70 دولارا للبرميل خلال السنوات الثلاث المقبلة، وأن تعمل على ذلك، وهو أمر يعد مقدورا عليه من جانب المنظمة.

تحريك الطلب

من جانبه، قال الخبير النفطي كامل الحرمي إنه من الصعب جداً أن نتوقع وصول سعر البرميل عند 60 دولاراً حتى نهاية العام الحالي، رغم التزام دول "أوبك بلس" بتمديد وخفض الإنتاج بمعدل 1.2 مليون برميل في اليوم حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل.

ورأى الحرمي أن من المؤكد أن المعركة التجارية القائمة بين الصين والولايات المتحدة حالياً تؤثر على نمو وتحريك الطلب العالمي على النفط، مما يجعل الأسواق النفطية هشة وبحاجة إلى زيادة كبيرة في النمو وبأكثر من 2 في المئة، حيث إن المعدل الحالي للنمو ما بين 1.1 و1.3 مليون برميل على الطلب سيتم خطفه من دول من خارج "أوبك"، خاصة النفط الصخري الأميركي.

ولفت إلى أن أي معدل سعري ما دون 60 دولارا غير مناسب لدول منظمة اوبك كافة، وهو الحد الأدنى المطلوب فقط لمقابلة جزء من العجز المالي السنوي، إذ إن معظم الدول النفطية بحاجة إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل لمعادلة متطلباتها المالية، وقد يكون هذا هو المعدل المقبول لدول مجلس التعاون الخليجي.

وأضاف أن هناك اقتراحاً بخفض الإنتاج مرة أخرى بمعدل مليون برميل للوصول إلى 60 دولارا، الحد الأدني، إضافة إلى معدل الخفض الحالي، لكن هذا سيؤدي إلى استفادة مالية أعظم لدول من خارج أوبك، وخاصة منتجي النفط الصخري الأميركي، ليزدهر ويأكل كميات أكبر من نفوط أوبك، واستفادة "أوبك" ستكون أقل بكثير من بقية الدول النفطية مثل روسيا التي بحاجة إلى 40 دولارا لتغطية ميزانيتها العامة.

تحمل الأسعار الحالية

وذكر أن خفض الإنتاج لن يؤدي إلى استتباب أسعار النفط مع الطاقات النفطية الفائضة، والحل يكمن فقط في الانتظار وتحمل الأسعار الحالية، ومحاولة ضغط المصاريف في الميزانيات العامة لمحاولة تقبل الأسعار الحالية وتحملها، واللجوء الى الأسواق المالية نحو الاقتراض، أو في بيع بعض من أصولنا، لكن المعدلات الحالية لسعر البرميل لا تساعدنا في هذا المسار حالياً.

وأضاف أن العوامل التجارية الحالية والأوضاع الاقتصادية، إضافة الى الطاقات النفطية الفائضة لا تساعدنا على عمل أي شيء في الوقت الحالي حتى عامل خفض آخر في معدلات الإنتاج لن يصب في مصلحة منظمة أوبك، وسيؤدي إلى فقدان أكبر للمنظمة لحصتها السوقية على المدى المتوسط في الأسواق العالمية، لافتا الى ان قرار انتظار النتائج قد يكون هو القرار الأفضل.

سوق غامض

من جهته، قال الخبير النفطي أحمد كرم إن السوق النفطي أصبح سوقا غامض الملامح، لأنه يتأرجح بين الصعود والهبوط، مضيفا أنه رغم انخفاض إنتاج النفط الإيراني والتوترات السياسية المصاحبة لهذا الأمر، كالعمليات التهديدية للناقلات البحرية ومضيق هرمز، انخفضت أسعار النفط عن معدلاتها السابقة؛ مرجعا ذلك الى وجود عوامل اقتصادية اخرى اكبر تأثيرا على اسعار النفط، وهي انخفاض معدلات النمو الاقتصادية لاكبر اقتصادين بالعالم؛ أميركا والصين، لافتاً إلى أن توقعات "أوبك" الأخيرة بانخفاض الطلب على نفطها جاءت في محلها بعد هذه المعطيات.

ومن جانب آخر، أشار كرم إلى أنه لم يعد الاتفاق الأخير لأعضاء "أوبك" باستمرارية خفض الإنتاج مؤثرا بشكل كبير على أسعار النفط أخيرا، إذ أصبح تأثيره بسيطاً جدا، ومازالت الأسعار غير مطمئنة للدول الاعضاء.

عوامل متضاربة

وذكر أنه في كل الأحوال مع وجود عوامل متضاربة مضادة بالأسواق النفطية، سنرى أسعار النفط تتراوح عند 60 دولارا، وربما سيستمر ذلك فترة الى ان يقوى أحد العوامل الذي من شأنه رفع أو خفض الأسعار.

وقال إن الأسعار الحالية للنفط لم تعد مطمئنة للدول الخليجية المنتجة في "أوبك"، فأغلب هذه الدول يحتاج إلى أن تتراوح الأسعار بين 70 و75 دولارا للبرميل، حتى يتسنى لها معادلة موازناتها العامة، وعليه فمن المحتم الآن أن تضع تلك الدول خططاً اقتصادية تقشفية من شأنها مواجهة تقلبات أسعار النفط وخاصة انخفاضها.

وشدد كرم على ضرورة التفكير الجاد بمشاريع تكرير النفط كالمصافي او المصانع البتروكيماوية بدلا من بيع النفط الخام او تقليل تكلفة الانتاج النفطي.