الاقتراح الوحيد للحكومة!
مشاركة الناس في صنع القرار قد تكون سياسة حكيمة تعزز روح المسؤولية والاهتمام، فقط عندما تكون قيمة مضافة ومساهمة تكمل بعض الثغرات التي قد تغيب عن بال صانع القرار، ولكن أن يأتي مثل هذا الطلب في ظل عجز كامل عن قدرة الحكومة على تحمل مهامها الدستورية فتلك حالة مثالية من الفشل الذريع.
لا تبخل الحكومة علينا في إبداعاتها السخيفة التي وصلت إلى أعلى المستويات بعد الطلب من الناس تقديم اقتراحاتها مباشرة للعمل على تنفيذها، ويذكرنا هذا التوجه الغريب بحملة مجلس الأمة السابقة في تحديد أولويات المواطنين عبر استفتاء الأفنيوز المشهور، والذي لم يتجاوز حد المسخرة المؤقتة، فلا الأولويات تحققت ولا رغبات الناس ترجمت ولا طبنا ولا غدا الشر.مشاركة الناس في صنع القرار قد تكون سياسة حكيمة تعزز روح المسؤولية والاهتمام، فقط عندما تكون قيمة مضافة ومساهمة تكمل بعض الثغرات التي قد تغيب عن بال صانع القرار، ولكن أن يأتي مثل هذا الطلب في ظل عجز كامل عن قدرة الحكومة على تحمل مهامها الدستورية فتلك حالة مثالية من الفشل الذريع، وتستدعي إخلاء مجلس الوزراء من كامل صلاحياته وعودة أعضائه إلى بيوتهم فوراً.إن دعوة الناس لإدارة شؤون حياتهم مباشرة تمثل فلسفة المدينة الفاضلة التي تبناها قدماء اليونان والرومان وفق نظريات أرسطو وأفلاطون، ولنا أن نتساءل كم صفحة قرأت الحكومة من كتب الديمقراطية القديمة أو الحديثة حتى تصل إلى هذا الإبداع السياسي؟
هذا الطلب الحكومي لا يتجاوز كونه اعترافاً صريحاً بأن الجهاز الإداري في الدولة ممثلاً بكبار المسؤولين ومستشاريهم وميزانيته الضخمة عاجزة تماماً عن دورها الحقيقي، وغير قادرة حتى على التفكير في هموم وقضايا البلد، ودليل ذلك مستويات الإخفاق وتفشي الفساد من كل صوب، وهذا في رأيي حقيقة متجسدة تبرهنها الأيام والقرارات والأداء العقيم على مدى عقد من الزمن.وما يثير الضحك أيضاً أن الحكومة تطلب تقديم الاقتراحات، وهذا ما يؤكد التشخيص السابق نفسه، فلو تكبدت الحكومة عناء متابعة الاقتراحات المقدمة في مجلس الأمة عبر الكثير من الدورات البرلمانية، أو لو اطلعت على الآلاف من المقالات الصحافية وعشرات الآلاف من التغريدات، والمئات من القضايا التي يطرحها الشباب والسيدات على مواقع الإنستغرام وغيرها لعرفت بحق توجهات الناس وهمومهم وأولوياتهم، وحرصهم على تطوير بلدهم، ولو أخذت عينة عشوائية من مجمل ما يطرحه الناس يومياً على تطوير بلدهم، وتعاملت معها بصدق وجدية لكنا أفضل حالاً بلا شك من هذا الواقع التعيس.لكن السؤال، كم من المواطنين الذين لاحقتهم الحكومة قانونياً وصدرت بحقهم أحكام بالسجن والفصل من الوظيفة وإدراجهم ضمن قوائم القيد الأمني عندما عبروا عن آرائهم، أو تقدموا بفضح بؤر الفساد ورموزه، مما يثير التساؤل حول مصداقية الحكومة في المشاركة الشعبية المباشرة؟أخيراً، ماذا لو جاءت الكلمة الجامعة من الغالبية العظمى من المواطنين على ضرورة رحيل الحكومة وباقتراح مباشر وصريح، فهل ستستجيب عندها لهذا الطلب الشعبي الوحيد؟!