«فتوى الحائري» توحد الإسلاميين والعلمانيين في العراق
سخرية غير مسبوقة من دعوته لطرد الأميركيين ودعم الميليشيات
ليست العلاقات بين التيارين العلماني والديني في العراق، وكلاهما متشدد غالباً، على ما يرام، منذ تأسيس الدولة الحديثة قبل مئة عام، لكن أزمة مضيق هرمز وحّدتهما هذا الأسبوع في مستويات مؤثرة بين النخبة، وفي اتجاهات الرأي العام، إذ تدخل رجل الدين الإيراني البارز آية الله كاظم الحائري وأصدر فتوى تحتم على بغداد وأهل العراق مواجهة إسرائيل وطرد الأميركيين، بعد هجمات متتالية مجهولة استهدفت ميليشيات عراقية.وذكر الحائري (المسن الذي عاش في النجف حتى 1980 ثم انتقل إلى مدينة قم) أن إسرائيل تهاجم المجاهدين ومعسكرات الحشد الشعبي في العراق، منادياً بمواجهتها والتحرك إلى طرد الأميركيين من قواعدهم، وذلك في فتوى دينية مطولة وزّعها السبت، منتظراً أن تكون مؤثرة لأنه كان تلميذاً معروفاً للفقيه العراقي الراحل محمد باقر الصدر، إلا أن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وقوى علمانية كثيرة في الجنوب الشيعي أو الشمال السني، سخروا من هذه الفتوى واعتبروها تجاوزاً صارخاً لسيادة الدولة كجهة وحيدة مخولة إعلان الحرب وإبرام السلام، وسط تيار عراقي واسع ينادي بالحياد الصارم في المواجهة الدولية بين إيران والغرب وأزمة مضيق هرمز.وجاءت الفتوى بعد مواجهة معلنة بين رئيس الحكومة الإصلاحية عادل عبدالمهدي والقائد الكبير بالحشد أبومهدي المهندس، الذي هدد القوات الأميركية مباشرة واتهمها بقصف عتاد قواته، بالتعاون مع إسرائيل، لكنه رد عبر بيانات متكررة بأن الفصيل العراقي ليس من حقه إعلان حرب، لأن المخول الوحيد هو رئيس الحكومة، الأمر الذي حظي بتأييد البرلمان والسلطة القضائية والرأي العام، وجعل قائد الحشد في موقف هو الأضعف منذ سنوات.
ولم تفلح الفصائل الموالية في مساندة حليفها، خاصة أن جزءاً كبيراً من الحشد يوالي المرجع الكبير آية الله السيستاني في النجف ولا يتماشى مع خطاب طهران، الأمر الذي دفع الحائري لإصدار فتوى شرعية ملزمة تؤيد القتال والحرب، حماية للميليشيات العراقية الموالية لطهران.وربما توقع الحائري أو القوى القريبة منه في العراق، معارضة سياسية لهذه الفتوى، لكنه كما يبدو لم يخطر على ذهنه أن تتحول المعارضة هذه إلى مناسبة لتوحد الإسلاميين والعلمانيين على استهجان فتواه والاحتجاج عليها واعتبارها تدخلاً في شؤون العراق.ووصل الأمر بعدد من رجال الدين الشيعة والمفكرين العراقيين إلى وصف الحائري بأنه رجل كبير ومريض لا يمتلك المؤهلات العقلية الكافية لإصدار رأي فقهي يوجب القتال في أزمة معقدة مثل المواجهة مع إسرائيل، خصوصاً أن التحقيقات الرسمية لم تثبت بعد أن تل أبيب استهدفت قواعد عسكرية للحشد يقال إن فيها صواريخ بالستية بعيدة المدى أودعتها إيران لديه، كما حصل في سورية.واضطر قادة ميليشيات بارزون بالعراق إلى توجيه نداء للجمهور كي يحترموا آية الله المسنّ ولا يتجاوزوا عليه، خاصة أنه درَس سنوات طويلة في النجف عند الفقهاء العراقيين، لكن الجمهور رد بالقول إن الحائري ليس عراقياً، ولذلك لم يعد للنجف بعد سقوط نظام صدام حسين منذ سنوات طويلة، وبقي مقرباً من حرس الثورة.ويقول المراقبون إنه لم يسبق حصول مواجهة كهذه بين الميليشيات العراقية المقربة من إيران والرأي العام الشعبي والحكومة، منذ نشاط هذه الفصائل في الحرب على تنظيم «داعش» عام 2014، وهي مواجهة يحذر الخبراء من احتمال توسُّعها إذا اشتدت المواجهات وانتقل شرر «هرمز» إلى ضواحي بغداد.