رواية الحياة... صفحات متجددة
الحياة رواية متجددة الصفحات، كلما أنعم الله علينا فيها بيوم جديد فإن تلك مهلة أخرى من رب كريم كي نقلّب صفحاتها ولنزداد أجراً وتفاؤلاً وإقبالاً، ذلك أن بقاء الحال على ما هي عليه من المحال، إذ إن تبدّل الأحوال هو سنّة الله في خلقه، بل وبالحياة، وهو مكمن السر في عدم تكرار الأحداث والتجارب التي تمرّ علينا فيها، رغم تماثُل بعضها، وهذا هو جوهر عدم الملل مما تحمله من فرح أو حزن أو تعب أو راحة أو مرض أو صحة أو شدّة أو رخاء، ومن هنا ندرك أنها، وبما تحمله من أحداث ذات طبيعة روائية متفاوتة، فإن كلاً منها ترسم حكاية مختلفة في الموضوع والعبرة والزمان والمكان، بل والشخصيات أيضاً. وتبقى سمةٌ بارزة بخصوص رواية الحياة، ألا وهي أنها مفعمة بعناصر استمرارها، منطلقها حسن الثقة بالله وصدق التوكل عليه، فهو سبحانه الذي يكور الليل على النهار ليكسبنا إيماناً بتجدد الحياة، وهذا هو سر قوة الإنسان المؤمن بذلك، والذي لا يقف عن السعي من أجل إحداث التغيير، وهو مدخل التفاؤل، ولعل ما يعزز ذلك وينبغي أن يرافقه في تفكيرنا وسلوكنا هو الاستعانة بكل ما هو مجدد لطبيعتها ويزيد من إقبالنا عليها، ومداد ذلك ومنبعه جسور التواصل مع الناس على اختلاف مشاربهم وآرائهم، وعلى رأسهم وأولهم ذوو الأرحام ممن هم أقرب الناس لنا، ثم يليهم الأصدقاء ورفقتهم متعددة الصفحات بما واكب أو يواكب مختلف مراحلنا العمرية، سواء في النشأة أو في الأحياء والقرى أو في الدراسة أو العمل، ولكلّ صداقة طعمها وتجاربها.
وإلى جوار ذلك كله، تبقى رواية الحياة ومسيرتها، فتجد المتفائل الذي يرى الضوء دائماً منيراً حياته، وترى المتشائم الذي يجعل صفحات الأمس تهيمن على صفحات اليوم والغد، وتجد المتحذلق الذي ينسب صفحات الناس لروايته، وينجح لفترة من الزمن، ثم يكتشف الناس زيف روايته، وهناك الوفي والأمين والصادق، والذين تجد أن صفحاتهم مليئة بروايات فريدة ومفيدة، وهناك المتزلف والكذاب والبخيل، وتلمس في روايات حياة هؤلاء ما يفضح طبيعة أخلاقياتهم الرديئة حتى مع محاولتهم مداراة ذلك والتمويه عليه، وهناك نماذج أخرى متعددة لروايات الحياة لشخصيات طيبة أو سيئة لا يمكن لنا حصرها ولا إحصاؤها.ولا شك في أن كلاً منا يعرف كمّاً منها، وتبقى رواية الحياة الأكثر رسوخاً في ذاكرة كل منا وفي ذاكرة الآخرين بالوقت ذاته، وهي قد تكون رواية حياتنا أو رواية حياة شخص آخر نعرفه أو مرّ ضمن رواية حياتنا، هي تلك الرواية التي تتجدد أحوالها مع كل يوم في حياتنا، وينال الناس دوماً في كل يوم قدراً أو أثراً مفيداً منها، إذ إن تجددها ذاك يبعث الأمل والتفاؤل في الآخرين من حولها، وهذه كانت السمة البارزة لرواية حياة رسولنا الأعظم محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو ما تحاول أن تبلغ منزلته كل الشخصيات ذات الرواية الحياتية المتميزة، فهلا اخترت لنفسك أن تكون منهم؟ وأختم بالقول:إذا المرء أدامك بوصله صادقاً، فلا تدعه وكن له دوماً مرافقاً.