«الداخلية»... والقرارات الاستبدادية المقبلة!

أكثر ما تعانيه الكويت هي القرارات الارتجالية التي تأتي كردة فعل على قضية رأي عام، أو حسب تفكير أُحادي لأحد المسؤولين، وغالباً يكون لتلك القرارات مردود مادي وإنساني سلبي، وقضية التركيبة السكانية، أو التعبير السياسي الذي يستخدمه السياسيون للتكسُّب الشعبي والانتخابي، وهو زيادة أعداد الوافدين، هي قضية وطنية مهمة إذا تمت مقاربتها بشكل علمي وإنساني.

آخر ما تفتق عنه فكر قيادات وزارة الداخلية لحل مشكلة اختلال التركيبة السكانية، حسب الصحافة المحلية، هو منع الطفل الوافد البالغ من العمر 12 عاماً من الالتحاق بعائله، ومنع الابن أو الابنة من مرافقة أهله إذا بلغ 18 عاماً.

حقيقة عندما قرأت هذا الخبر ذهبت لأبحث في تاريخ نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، إذا كانوا أصدروا مثل تلك القرارات في زمانهم الغابر!

بالتأكيد إن ضابطاً برتبة عسكرية عالية تفتق ذهنه عن مثل تلك الأفكار "القراقوشية" دون دراسة أو بحث، فمشكلة الكويت تكمن في العمالة الرخيصة الفردية (العزوبية)، ومثل تلك القرارات ستزيد عدد "العزاب" في الكويت بشكل كبير جداً، بما يحيط تلك النوعية من العمالة من تكدس وجرائم وخلافه، كما أن نسبة الصرف في الداخل ستقل، ليكبر رقم التحويلات الخارجية، الذي تضخم بالفعل بنسبة 23 في المئة بالأشهر الستة الأولى من العام الحالي، ليلامس السبعة مليارات دولار. لذلك، فإن الدول المتقدمة لا تعطي الجهاز الأمني صلاحية حق منح الإقامات وخلافه، بل هناك جهات متخصصة تُصدر تلك القرارات، والجهاز فقط يُصدر وثيقة التعريف والبصمة والتأكد من محل الإقامة.

لدينا مستشفيات ضخمة ومرافق صحية وخدماتية جديدة ستحتاج لآلاف العمالة المدربة وذات الخبرة، حتى لا تتكرر الأخطاء الطبية والفنية، ومعدل عُمر أصحاب الخبرات في مجال مهنهم يتراوح بين منتصف الثلاثينيات حتى بداية الخمسينيات، وهؤلاء غالباً لديهم أسر وأبناء ما بين الخامسة والسادسة عشرة من العُمر... فهل سنطلب منهم جلب نصف أسرهم، أو نجعل منهم جميعاً عزاباً مع العمالة المتدنية في مدن العزاب الجديدة؟! وأين الروح والفكر الإنساني؟ ومَن في العالم يُصدر قرارات مثل تلك؟!

نحن في الكويت لدينا مشكلة مرورية، بسبب فشلنا في تنظيم المرور وبناء مترو حديث وشركات نقل على مستوى عالمي، وبسبب أخطاء تصميم الضواحي النموذجية والاستثمارية والتجارية، فنحمِّل ذلك للوافد، الذي جلبناه نحن لبلدنا بإرادتنا، ونطلب شروطاً تعجيزية لمنحه رخصة قيادة لا يوجد لها مثيل في العالم، أو نسحب منه رخصة القيادة، لأنه غيَّر وظيفته! ونفشل في إدارة التركيبة السكانية ومنع تجارة الإقامات، فنُصدر قرارات شبه فاشية تقسِّم الأسر، وتمنع الحياة الطبيعية للوافد مع أبنائه، ونجبرهم على أن يعيشوا عزاباً، مع أن علاج التركيبة السكانية يكمن في مكان آخر.

الكويت وأهلها ليسوا قساة، ولا قلوبهم متحجرة، بل هم بشر يحملون أسمى معاني الإنسانية، فبربكم لا تشيطنونا بمثل هذه القرارات غير الإنسانية، وارحموا البشر، حتى يرحمنا خالقهم وخالقنا جميعاً، فالأيام يداولها ربنا بين الناس، ولا نعلم غداً كيف وأين سنكون.