أنجح قصص الرعب تلك التي يستقي الكاتب أحداثها من التراث أو الحكايات الشعبية أو الأساطير التي تناقلتها الأجيال عبر سنوات؛ لأنها تمس قناعة داخل الإنسان، مما يثير فضوله لمعرفة كيف يوظفها الكاتب في عمله، ولذلك فإن اختيار الموضوع أحد أهم عوامل نجاح أي عمل فني بشكل عام، ومسرحي على وجه الخصوص، وأزعم أن الكاتب والمخرج عبدالله الرميان حالفه الحظ والتوفيق عندما انتقى من الحكايات "التابعة" ليقدمها مسرحياً، معتمداً منهج الرعب النفسي، وموظفاً أدواته لصياغة عمل ممتع في جميع تفاصيله، وليقدم العمل فلسفة مختلفة في التعامل مع مسرح الرعب.

Ad

سمعة طيبة

"التابعة" قدمت عروضها مساء أمس الأول على مسرح عبدالحسين عبدالرضا ضمن فعاليات مهرجان صيفي ثقافي بدورته الـ 14، التي ينظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وشهد العرض حضوراً جماهيرياً كثيفاً ملأ المسرح عن آخره لما للعمل من سمعة طيبة، إذ سبق أن عرضت "التابعة" مطلع العام الحالي، ثم استقبل فريق العمل الجمهور مجددا خلال أبريل الماضي قبل أن يختارها المجلس الوطني لتقدم عرضين الأربعاء وغدا (السبت).

اغتيال الحلم

وتدور أحداث المسرحية حول "التابعة"، تلك الجنية التي ما تنفك أن تدخل منزلا حتى تهدمه فتغتال حلم أمٍّ تتمنى احتضان طفلها وتحرم الأب من أبنائه وتقلب حياة الأبناء رأساً على عقب، "التابعة" التي تهدد استقرار أي أسرة استطاعت أن تتسلل خلسة إلى عائلة صغيرة مكونة من أب وأم وابنتيهما. ونتابع من خلال حوارات بسيطة ذات طابع كوميدي نمط حياة هذه الأسرة قبل أن يلحظ الأب والأم التغيير الذي طرأ على إحدى الابنتين في الوقت الذي تفصح الأم لزوجها عن حملها على أمل أن ترزق بطفل عقب محاولات عدة لم يكتب لها النجاح.

وتتوالى الأحداث ونتعرف عن قرب على حياة الأسرة، إلى أن تنجلي حقيقة هذا التغير الكبير الذي طرأ على إحدى الابنتين، وتنقلب حياة الأسرة فيختفي الأب، وتسارع الأم إلى ترك ابنتها بمعية الجدة لتواجه هي والفتاة الأخرى مصيرهما، في تلك الأثناء يظهر في طريق الأم والابنة ضابط شرطة، سبق أن اغتالت "التابعة" أسرته وسلبته زوجته وابنته الصغيرة ليجد أن الفرصة سانحة ليحول دون أن تهدم "التابعة" تلك الأسرة ولينتقم لنفسه.

قضايا اجتماعية

تلك الفكرة صاغها الكاتب الرميان بذكاء، موظفاً العديد من القضايا الاجتماعية، مثل وحدة الأسرة والعلاقات بين أفرادها في قالب جمع بين الرعب والكوميديا، ليقدم عملاً راقياً يصلح لجميع أفراد الأسرة من ناحية الحوارات التي كانت في أغلبها قصيرة، فلم نشعر بمضي الوقت وكذلك الأحداث المتسارعة. وضمّن الرميان ككاتب العمل رسائل اجتماعية ودينية وأخلاقية بصورة مباشرة تجد طريقها إلى قلوب الجمهور دون قيد أو شرط.

المؤثرات الصوتية

على مستوى الإخراج، استعرض عبدالله أدواته كمخرج متمكن، موظفاً عناصره بتناغم بدءاً من السينوغرافيا بأفرعها المختلفة من حيث المؤثرات الصوتية التي كانت الحصان الرابح في هذه الأمسية، وساهمت مع الإضاءة في إضفاء مزيد من الرعب، وخدمت السياق العام للأحداث، مروراً ببعض الخدع التي نفذت بدقة وفي سياقها وصولاً إلى الديكورات التي كانت الحلقة الأضعف في منظومة السينوغرافيا حيث بدت فقيرة، نظراً لأن العرض أعيد إحياؤه بعد توقف، فكان من المنطقي أن يتخلى فريق العمل عن ديكوراته الأصلية، ولكن هذا لم يمنع المخرج من وضع بعض اللمسات السينمائية، حيث وظف شاشة في منتصف المسرح في العديد من المشاهد، وتم أيضاً الاشتغال على فكرة المسرح داخل مسرح ليسترجع بعض شخوص العمل ذكرياتهم.

عنصر التمثيل

أما التمثيل، وهو أحد أهم أدوات المخرج إذا ما وفق في اختيار عناصره، كان هو العنصر الأبرز في هذا المساء، ثلاثية هبة الدري ومشاري البلام وأحمد إيراج موفقة، ولعل الانسجام والتناغم الكبير بينهم على الخشبة يرجع في الأساس إلى سابق الأعمال التي جمعتهم سواء في الدراما أو المسرح، وعمل "شبح الأوبرا" الذي مازالت عروضه مستمرة حتى الآن أبلغ دليل على نجاح تلك التوليفة، هبة الدري قادرة على التلون بالأداء والانتقال بين حالة وأخرى، أما إيراج فيقف بثبات، موظفاً خبرة سنوات من العطاء، في حين يثبت البلام أنه محترف الأدوار الصعبة.

يُذكر أن "التابعة" من تأليف وإنتاج وإخراج عبدالله الرميان، وتمثيل: هبة الدري، وأحمد إيراج، ومشاري البلام ومحمد الصحاف، إلى جانب عدد من الممثلين الأطفال، على غرار جنى الفيلكاوي ودانة الأيوبي.

أما الفنانتان انتصار الشراح وطيف، فقد جاء حضورهما كضيفتي شرف مع الأداء الصوتي فقط، في حين تكفّلت رابعة اليوسف بتصميم الأزياء، وتولى عبدالعزيز الجريب مهمة الماكياج.