قبل شهرين من موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يبدو البلد غارقاً في الاختلالات السياسية، لا يُجمِع القادة السياسيون على نقاط كثيرة (إذا وُجِدت أصلاً)، ولم يتم الاتفاق بعد على شروط «بريكست». الوقت مناسب إذاً كي يفرض بوريس جونسون كلمته! كيف ستتطور الأحداث خلال الأسابيع المقبلة؟ فيما يلي ثلاثة سيناريوهات محتملة: يتعلق أحد الخيارات الأساسية أمام المشرّعين الرافضين خطة «بريكست» ومعسكر المعارضة بحجب الثقة عن حكومة جونسون، وإذا خسر رئيس الوزراء فستكون الحسابات البرلمانية محورية لتحديد مسار الأحداث اللاحقة.
بموجب «قانون البرلمانات ذات الفترة المحددة» الذي يرسم خطوات الحكومة في حال حجب الثقة عنها، يتوقف عمل الحكومة طوال 14 يوماً، فيحاول زعيم المعارضة (في هذه الحالة رئيس «حزب العمال» جيريمي كوربين) تشكيل حكومة خلال هذه الفترة.لن تكون هذه العملية سهلة بأي شكل، إذ يحتاج كوربين إلى دعم مجموعة من الأحزاب الأصغر حجماً، على غرار «حزب الديمقراطيين الليبراليين»، و«الحزب الوطني الاسكتلندي»، و«حزب الخضر»، و«حزب ويلز»، علماً أن هذه الأحزاب كلها تعارض، مثل «حزب العمال»، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. لم تستبعد أي جماعة منها تشكيل حكومة وحدة وطنية موقتة منعاً لتطبيق خطة «بريكست بلا اتفاق»، وتريد المطالبة بوقت إضافي لمتابعة التفاوض.يُعتبر نشوء حكومة وحدة وطنية، حتى لو كانت موقتة، حدثاً نادراً جداً. يقول تيم بايل، أستاذ في السياسة في جامعة «كوين ماري في لندن»: «نشأت آخر حكومة مماثلة في عام 1940، حين تشكّل ائتلاف لخوض الحرب العالمية الثانية». لكن لم يتّضح بعد ما إذا كانت جهود منع خطة «بريكست بلا اتفاق» ستتفوق على السياسات الحزبية الضيقة.وفق السيناريو الثاني، يمكن أن يعوق البرلمان أو المحاكم عمل جونسون عبر منعه من تطبيق خطة «بريكست بلا اتفاق»، إذا عجز رئيس الوزراء عن رسم مساره بنفسه، قد يقرر تنظيم انتخابات جديدة، فلا يملك المشرّعون الوقت أو الصلاحيات الدستورية لاتخاذ قرار مماثل.لكن ما العمل إذا عجز البرلمان عن إعاقة تلك الخطة؟ اقترح رئيس الوزراء المحافظ السابق، جون ميجور، طرح تَحَدٍّ قانوني يمنع جونسون من تعليق عمل البرلمان، لكن تعتبر الحكومة خططها جزءاً روتينياً من واجباتها، وهذا ما يُصعّب مجادلتها. يسعى النائب إيان موري من «حزب العمال» إلى اتخاذ إجراء قانوني منفصل في أسكتلندا التي تتبنى نظاماً قضائياً يختلف عن بقية مناطق المملكة المتحدة.لكن إذا عجز رئيس الحكومة عن عقد الاتفاق المنشود وأعيقت خطة «بريكست بلا اتفاق»، فسيكون أمام خيارَين: المطالبة بمهلة إضافية من الاتحاد الأوروبي، أو الدعوة إلى إجراء انتخابات. سبق أن رفض الخيار الأول على اعتبار أن الموعد المحدد في أكتوبر «مصيري» (لكن لن تكون المرة الأولى التي يتراجع فيها عن وعده). أما الخيار الثاني، فيتطلب تصويت ثلثَي مجلس العموم، ومن المتوقع أن يتم تمرير القرار.سيكون التوقيت عاملاً محورياً في تلك الظروف. تتطلب أي حملة انتخابية قصيرة ستة أسابيع، وإذا جرى التصويت في مجلس العموم في الأسبوع المقبل، سيتحدد يوم الاقتراع حينها بحلول 17 أكتوبر تقريباً. لن تنعقد أي جلسات في البرلمان خلال هذه الفترة، مما يمنعه من إعاقة خطة «بريكست بلا اتفاق». يستطيع جونسون حينها أن يخاطب الناخبين الذين سئموا من التجادل حول «بريكست» منذ سنوات، فيطرح نفسه كزعيم الحزب الوحيد الملتزم بمغادرة الاتحاد الأوروبي بأي ثمن.لا مهرب من «بريكست»!ماذا يحصل إذا فشلت الخطوتان معاً (أي حجب الثقة ومحاولات إعاقة الحكومة عبر التشريعات أو قرارات المحاكم)؟عملياً، لن تواجه الحكومة أي تدقيق برلماني حتى منتصف أكتوبر، حين تنتهي مدة تعليق عمل البرلمان، وسيكون جونسون حينها على بُعد أسبوعين فقط من تحقيق هدفه بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إنه وقت قصير لإجراء انتخابات أو إطلاق محاولات أخيرة لإقالته من منصبه.وحتى لو تمسك خصوم جونسون بمحاولات حجب الثقة عن حكومته، سيحصل رئيس الوزراء على أكثر من خمسة أسابيع بقليل للتفاوض على اتفاق جديد للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، من دون أن يضطر لتبرير نفسه أمام البرلمان. وإذا أثبت أي تقدّم في هذا الإطار، قد يشعر النواب المحافظون الذين يعارضون خطة «بريكست» وكانوا يفكرون بالتنحي أو التصويت ضد حكومته بأن الواجب يدعوهم إلى عدم التصدي له عند انعقاد مجلس العموم.يخطط جونسون لحضور آخر قمة للاتحاد الأوروبي قبل «بريكست» في 17 و18 أكتوبر، قبل طرح أي اتفاق مُعدّل (إذا وُجِد) أمام البرلمان في 21 و22 أكتوبر. ربما يتسنى للمشرعين أن يحاولوا إقالة جونسون من منصبه قبل 31 أكتوبر، لكن سيكون الأوان قد فات في تلك المرحلة وسيعطي جونسون النواب حينها خيار الموافقة على الاتفاق أو رفضه. في مطلق الأحوال، ستصبح خطة «بريكست» قيد التنفيذ بحلول 31 أكتوبر وسيبقى جونسون رئيس الوزراء البريطاني!* ياسمين سيرهان وهيلين لويس وتوم ماكتاغ** «ذي أتلانتيك»
مقالات
بوريس جونسون يعلّق عمل البرلمان البريطاني... ما مصير خطة «بريكست»؟
01-09-2019