أغلِقوا البلد بالضبة والمفتاح، وعلقوا إعلاناً كبيراً في واجهة المطار بأن الديرة أضحت "بقالة" مغلقة لحسابنا حتى إشعار آخر... هذا الكلام موجه إلى بعض الصحف المحلية التي لم تعد لها قضية، بعد أن أفلس الفكر فيها، غير قضية المغردين وحسابات التواصل الاجتماعي، فأخذت تدعو إلى تكميم أصحابها وتحريض السلطة ضدهم، وكأنه يفترض بالمغردين أن يكونوا تابعين عبيداً لأصحاب الوجاهات السياسية والاجتماعية، وعليهم بالتالي أن يخرسوا ما لم يؤذن لهم من سعادة الوجهاء وكهنة السلطة السياسية.كان من الممكن أن يترك موضوع التحريض البائس على تكميم وسائل التواصل الاجتماعي لشأنه، لو وقفت الأمور عند بعض المانشيتات والافتتاحيات القمعية لتلك الصحف، لكن حكومة "الحريات" تحركت بسرعة وتجاوبت مع دعاة الحرية في إعلام "ودع واستقبل... وصور الأعراس الملونة"، وكلفت الوزير أنس الصالح بإعداد مشروع قانون جديد لما يسمى بـ"حسابات الفتنة"!، وكأن هذا ما ينقصنا، وكأننا نفتقر تماماً إلى قوانين التكميم وقمع الحريات بعد أن تكاثرت كالخلايا السرطانية خلال السنوات الأخيرة، في سباق القمع بين الحكومة ومجلسها البرلماني، وكأننا لا نطالع بين اليوم والآخر خبراً عن حكم بالحبس سنوات طويلة ممتدة يلقي بصاحب التغريدة في ظلام السجن لمجرد أنه كتب "كلمات" عبّر فيها عن "رأي" خاص به، لم يحمل سلاحاً ولم يقد دبابة ليستولي على مبنى الإذاعة والتلفزيون.
قال كلاماً، كتب حروفاً... لماذا يقف شعر رؤوسكم هلعاً منها؟ وعلى فرض أن كلماته غير صحيحة ومفبركة... هناك عقول للناس يمكن أن ترفضها ولا تصدقها، وهناك قوانين جزاء تعاقب على القذف والسب ونشر الأخبار الكاذبة، هي قوانين تمثل شكلاً مألوفاً للأنظمة التسلطية في معظم أنحاء العالم العربي، ماذا يضيركم؟ ولماذا تخشون اللغة والكلمات؟ ولماذا تحاكمون وتحبسون من عبروا عن آرائهم ومشاعرهم أو الظلم الذي، ربما، يعانونه؟! في لقاء صحافي للكاتب حازم صاغية قال: "من خلال قمع الشعب وضبط وسائل الإعلام لم يعد معظم الحكام العرب يسيطرون على دولهم فحسب، بل حتى على ماضي مواطنيهم وحاضرهم ومستقبلهم، يسيطرون على الماضي لأن لديهم القدرة على إعادة صياغته، وعلى الحاضر لأنهم يملكون الوسائل لقمع الناس والأفكار، وعلى المستقبل لأنهم يستطيعون منع الناس من تنظيم أنفسهم سياسياً..." من ينصت ومن يكترث لمثل هذا الحديث المؤلم؟!
أخر كلام
لماذا لا تسكرون الديرة وتفكونا؟!
01-09-2019