• ما منطلقاتك العامة في الكتابة؟

- ربما لا يمكنني في هذه الحال بالتحديد أن أتحدث عن منطلقات عامة، لأن الأمر في روايتي "إيميسا" كان أشبه بألم لابد له أن يجد شفاءً، بالنسبة إلي الحرب كانت المنطلق والمستقر، وربما كما قال ديستويفسكي

Ad

لا توجد كتابة إلا كانت الحرب مسببها الأساس، حتى حين نكتب عن النفس البشرية؛ فنحن نكتب عن حربها وصراعاتها الداخلية، ولا يمكن أن تمر الحرب ببابك وبوجدانك وتظل واقفاً مكتوف الأيدي حيالها.

الجميع مذنبون

• "إيميسا" هل هي نص سردي بكائي على ما جرى أم محاولة لتجاوز كبوة سورية؟

- نحن نكتب لأننا عاجزون عن الصراخ بصوت عال، ولأننا عاجزون عن الهرولة تحت المطر، ونكتب كذلك لأننا نحاول استشراف الحلول، "إيميسا" كانت محاولة لتصوير جانب آخر من الحرب هو النفس البشرية وفعل الحرب فيها، لم أكن بصدد بيان عسكري أو سياسي أو مساءلة الأطراف المتصارعة لتحديد المذنب، ففي الحرب الجميع مذنبون والكل خاسر، لكنني بلا شك حاولت أن أقدم إحدى صيغ الخلاص، وهي قبول الكل للكل؛ لتشرق شمس السلام مُجدداً.

التضليل والبوصلة

• على لسان أحد الأبطال تتساءلين: "كيف للإنسان أن يتحوّل من مفكر وكاتب إلى إرهابيّ، ومن شاعر إلى قاتل، ومن ليبرالي إلى تكفيريّ"... هل لديك إجابة عن هذا السؤال؟

- بالطبع عندي الإجابة كما هي موجودة عند غالبية السوريين المتبصرين بالحرب السورية وخفاياها، الإجابة عندي تتخلص بكلمتين: التضليل والبوصلة، عندما يعمل التضليل يتعطل العقل، وحين يفقد المرء البوصلة يمكن أن يصبح كائنا غريبا عن ذاته، وحين تلوح الحروب عادة تبدأ عملية تزييف الحقائق والشحن العاطفي والأيديولوجي المعتمد على خطاب الغرائز وتغييب العقل، عملية التحريض والشحن الأيديولوجي ترتكز دوما على الاختلافات الدينية والمذهبية والطائفية وتغذي لدى كل جماعة أحقادها ضد جماعة أخرى، ولا يمكن مهما حاولنا أن ننكر أهمية، بل خطورة، الإعلام الموجه الذي أسهم ويسهم في تعزيز التفرقة والاقتتال والصراع بين الأديان والمذاهب والطوائف والعشائر السورية، وأقصد بالإعلام كل ما من شأنه أن يصل للأفراد ويترك تأثيراً بهم ابتداءً من خطبة الجمعة في أصغر مسجد في أبسط قرية وانتهاء بقنوات أميركية، وحين يفعل التضليل فعله، تصبح الصورة ضبابية ويفقد المرء البوصلة فيبتعد عن مواجهة عدوه الحقيقي ويحارب ما يتوهم أنهم أعداء وكأنه في حروب ومعارك "دون كيشوتية" يحارب فيها طواحين الهواء ليس إلا.

ولو قال قائل إن الإرهاب والتطرف هما العدو الحقيقي سأجيبه أنهما ظلال وأشباح العدو الحقيقي (إسرائيل)، ما دامت المستفيد الأول من استخدام الإرهاب والتطرف الديني في تعميق شرذمتنا وتعزيز انقسامنا واقتتالنا.

• كيف انعكست دراستك للفلسفة على أجواء الرواية التي تحمل الكثير من الأسئلة الوجودية؟

- لا يكفي أن ندرس الفلسفة، "أم العلوم"، كي تصبح رؤيتنا لما حولنا فلسفيّةً، ولكننا مطالبون أن نحيا الفلسفة، وأنا أعشق الفلسفة حتى لو لم تكن مجال دراستي الجامعية، فالفلسفة هي حياتنا، لا يمكننا أن نلتقط حدثًا واحدًا إلا وجدنا فيه عشرات الأسئلة الفلسفية، فما بالك بالحرب التي تجعل من الفلسفة العمود الفقري للظواهر، وبالطبع تأثرت روايتي بالفلسفة، لاسيّما بغوصي في الشخصيات أنماط المونولوج الداخلي الذي يعكس صراعات النفس ومفارقات وجودها ونسبيتها لا إطلاقيتها.

• برأيك، متى يكون الأدب جباناً؟

- حين يبتعد عن الصدق، فالأدب الجريء هو الأدب الصادق، وهنا أود الإشارة إلى نقطتين: الأولى أننا في عصر انفتاح المعلومة وتعدد الحقائق، الكذب بات أمراً مشيناً والصدق هو الحل، لا مجال لخداع القارئ لأنه إن لم يصدقك، سيفقد الثقة في كل ما تكتب، والأمر الثاني أن البعض يعتقد أن الأدب يجب أن يكون جريئا بالمعنى الأيروتيكي الذي يكسر فيه كل السائد ويزيل كل ستار، ولكنني أقول إن الأدب يمكن أن يكون غاية في الأيروتيكية لكنه مخادع ومضلل في الوقت ذاته، لذلك معيار نجاح الأدب هو الصدق.

الحب موجود

• ما العلاقة بين الحب والحرب، وكيف يمكن أن يتجلى ذلك في نص أدبي؟

- الحب موجود بحرب أو بدون حرب، والحرب حين تحدث لا تمنع الحب ولا تسببه، لكن الربط بين الحادثتين هو أن الحرب أشبه بعدسة مجهر تضخم كل الظواهر، ولذلك يصبح الحب أعمق والكذب أشد خطورة والدمع أصدق والفرح أكبر، وفي النص الأدبي تشتد عدسة المجهر وضوحاً، فحين يسلط النص الضوء على قصة حب تغدو أكثر دفئاً وأشد حميمية، لأن الحرب تحتمل الفقد، والفقد يهدد الحب، والحب فيه الانتظار الذي تطيله الحرب، وربما تجعله يعانق الأبدية، وهذا ما يلامس النفس البشرية التي تنشد الخلود، لهذا كلّه كان التواشج بين الحب والحرب لأنه تواشج بين الحياة والموت.

• انطلقتِ في "إيميسا" من أصداء المشهد السوري وألم الحرب، فهل ننتظر عالما جديدا مغايراً في أعمالك القادمة؟

- بالطبع، أعِدْ كل من قرأ "إيميسا" مولودي البكر، أنها لن تكون وحيدة، وأن أخاً لها سيبصر النور، وأعتقد أنه سيكون مختلفاً، وإن كان يحمل بصمة ما، هي ربما "DNA" الكاتب، التي تتبدى في بنات الأفكار، وأعتقد أن الكاتب الحقيقي هو القادر على خلق عوالم متغيرة، وكلها تصلح أن تكون هروبا إلى الجمال الممكن، الذي نظنه مستحيلاً، وأتمنى أن أكون ذلك الكاتب.