همس الوسادة
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
مضت سنون طويلة قبل أن تعود هي إلى الوطن لتسمع أن زوجته الرابعة أو الخامسة وهي التي تردد لقد تعبت من العد، فكلما التقيت بأحد بالمصادفة في مكان بعيد لم يكن من أخبار ذاك الصديق سوى زواج جديد، وكان أصدقاؤه يرددون "يا شيخة الحمدلله أنه لم يخلف من كل هذه الزيجات". عند عودتها قيل إن زوجته الأخيرة قد توفيت، وهي كانت أصلا ضعيفة جداً ولا تقوى على الحياة، وأنه بعدها قد أصيب بالإحباط والقنوط وانعزل عن كل الأصدقاء، ولم يعد يهوى ذاك العشاء من كل أسبوع، حيث تتحلق الشلة القديمة بعد أن شاب الشعر وتضخمت الكروش، يعودون إما للحديث عن هموم المصاريف المدرسية والتذمر من العمل الكثير والمدخول الذي يتبخر سريعا بفعل الغلاء وكثرة المتطلبات الأسرية، لكن وبعد بعض الكؤوس وكثير من الأكل يتحولون للذكريات، يفتحون الدفاتر القديمة يضحكون كما الأطفال، أو كما كانوا شباباً مراهقين، حتى بعد سنوات المراهقة... عن نزوات وعلاقات قبل الزواج وبعده، عن سفريات عمل وفرت فرصا للالتقاء بنساء مختلفات، أو هكذا تصوروا ليكسروا ملل الحياة الزوجية ثم يعودوا لحضن الزوجة!! وتبقى تلك المرأة متصورة أنه كان حباً حقيقياً رغم أنهم جميعا يعترفون لبعضهم أنه الملل والروتين وبعض الشيطنة المتبقية من تلك السنين البعيدة. عندما ذهبت لعزائه وجدته رغم مسحة الكآباة الواضحة سعيداً برؤيتها، وبدأ حديثاً لم يكن له نهاية حتى استأذنته هي لأنها على موعد، لم يتركها بعد تلك اللحظة ربما لم يمنعه من أن يكون ظلها سوى انشغالها بعملها وكثير من العمل الاجتماعي والصداقات الواسعة و... و... لم يكن ييأس أبدا من أن يدعوها على وجبة عشاء، وإن تعذرت منه لارتباطات مسبقة فالغداء إذاً، وذات غداء وكانت قد توقعت كل شيء إلا هذا السؤال: "هل تتزوجيني"؟ ضحكت حتى شرقت من الضحك، وهو يتطلع لها بكثير من الاستغراب، فما المضحك في مثل هذا الطلب الذي تتمناه الكثير من النساء واللاتي هن أصغر منها بكثير؟ ربما قال لنفسه ما لها تتصور أنها لا تزال تلك الفتاة الصغيرة ذات الجمال الخاص؟ لم تستمر جلستهم في ذاك المساء طويلا هو أصيب بشيء من خيبة الأمل وهي كانت غير مصدقة العرض الذي يتصور هو أنه مغرٍ. لم تمر أيام حتى باح لها كما الطفل بأنه لا يرغب من الزواج سوى تلك اللحظات الحميمية المشتركة، وكان أول من سمعته يقول إنه يهوى وشوشة الوسادة في نهاية يوم متعب، وإن كل ما يطلبه منها هو تلك اللحظات التي يهويان فيها إلى السرير بعد يوم طويل ليفشي كل منهما مشاكل اليوم، ويتخلص من كل التعب، ثم يغفو على تلك الوشوشات. حتى هذا العرض لم تفهمه هي وقررا الافتراق، وما هي سوى أيام حتى سمعت بخبر ارتباطه وزواجه السريع، وفي حفلة الزواج التي جمعت الأصدقاء الأكثر قربا نظر لها وردد لعلك يوما تفهمين معنى همس المخدة أو وشوشتها!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية