2 سبتمبر ذكرى التكبير ضد المحتل
قبل 29 عاماً، وما إن عانقت عقارب الساعة الثانيةَ عشرةَ معلنةً يوم 2 سبتمبر، حتى اهتزت الكويت عن بكرة أبيها في ليلة ظلماء، بأصوات تصدح من على الأسطح بـ "الله أكبر". يعرف من عاشوا الغزو بالكويت تلك الليلة ويتذكرونها جيداً... فلماذا كانت وكيف تمت؟ كانت تلك الليلة من ليالي التجلي في كيفية إشعار الغزاة بأنهم لا مكان لهم بيننا. أما كيف حدثت تلك الليلة وتم تجاوب أغلبية الشعب الكويتي الصامد لكي يخرج لأسطح المنازل ويكبر؟! فلذلك حكاية لم تُروَ.
حين أصدرنا جريدتنا السرية "الصمود الشعبي" وأطلقنا عليها "لسان حال حركة المقاومة الشعبية (حماك)"، كان الهدف هو إرسال رسالة للمحتل، وكذلك إشعار الصامدين بأن هناك من يتحرك ضد الغزاة من الداخل، رفعاً لروحهم المعنوية. كنا دوماً نسعى للتنوع في الأفكار على الرغم من صعوبة الأوضاع، فكان أن قررنا بمناسبة مرور شهر على الاحتلال الدعوة لإضراب عام، يشمل مثلاً الجمعيات التعاونية، ومحطات البنزين، والمخابز، حتى ولو بشكل جزئي، وكانت الفكرة الأهم هي دعوة للصامدين للخروج بعد الدقيقة الأولى من 2 سبتمبر والتكبير من على أسطح المنازل، لتوجيه رسالة واضحة للمحتلين بمناسبة مرور شهر على الاحتلال.كان نجاح الفكرة مشروطاً بتجاوب الكويتيين مع تلك الدعوة، ولذا كان لابد من إيصال الرسالة لأكبر عدد من الصامدين. كنا نعلم بأن "الصمود الشعبي" لن تصل للجميع، فالتوزيع كان يتم تحت مخاطرة كبيرة. ولذا كان لابد من إيصال المعلومة للإعلام الخارجي، الذي كان لا يفارقنا أيام الاحتلال، فآذان البشر ملتصقة بالإذاعة، لا تبرحها. قمنا بالتواصل مع يوسف المشاري، رحمه الله، وطلبنا منه أن يوفر لنا جهاز اتصال ستالايت بالخارج، فاصطحبنا إلى أحد البيوت بمنطقة صباح السالم، حيث تعاملنا مع جهاز ثقيل وقديم به فاكس ستلايت يأخذ وقتاً طويلاً حتى يسخن (كان ذلك قبل وصول وتهريب عدد من الأجهزة الحديثة للاتصال الخارجي)، وهو نفس الجهاز الذي استخدمناه لإرسال مقالات كاريل ميرفي للواشنطن بوست وحصلت بموجبها على جائزة بولتزر. وهكذا قمنا بالاتصال بعدد من وكالات الأنباء، أذكر منها "رويترز"، وتحديداً مراسلها أشرف فؤاد الذي كلما التقيته يذكرني بالسبق الصحافي الذي وفرته له. فكان أن تم بث الخبر، وتمت إذاعته على النحو التالي: "المقاومة الكويتية تدعو إلى الإضراب العام، وتناشد المواطنين الكويتيين الخروج إلى أسطح المنازل للتكبير عند منتصف ليلة الثاني من سبتمبر، بمناسبة مرور شهر على الغزو"، وهكذا كان، فنشرته وبثته كل الإذاعات والتلفزيونات، وصار بالتالي معلوماً لأكبر عدد من الصامدين.كنا نترقب تلك اللحظة بقلق شديد، خوفاً من عدم النجاح، وخشية من ألا تصل الرسالة كما يجب للغازي المحتل. فما إن جاءت الساعة الثانية عشرة، ودخلنا يوم 2 سبتمبر، وفي إطار حظر التجوال، والهدوء المذهل في هزيع الليل، حتى شعرنا بالأرض تهتز من تحت أقدام الغزاة بالتكبير. كان التجاوب مذهلاً، من أقصى الكويت إلى أقصاها، وأصابتني حينها قشعريرة، من قوة الرسالة، التي أدت في الأيام التالية إلى إجراءات مشددة في التفتيش.وعلى بساطتها، أصابت الرسالةُ الغزاةَ بالتوتر، وكان ذلك موثقاً بالوثائق العراقية التي عثرنا عليها بعد التحرير، إذ أعطتهم انطباعاً بوجود عمل منظم، ومقاومة فاعلة. حكاية من الحكايات غير التقليدية للاحتلال والصمود. والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.