يرى بعض الخبراء النفطيين أن الانخفاض الكبير في سعر برميل النفط حدث بعد انخفاض قيمة العملة الصينية (اليوان)، لتسجل أكثر من 7 يوانات للدولار، وهو ما يعد أقلّ سعر لهذه العملة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ونظر البعض لذلك على أنه سعي من الصين إلى تحييد أثر الرسوم الجمركية الجديدة، وعلى الفور أعلنت الولايات المتحدة أن الصين بلد "متلاعب بالعملة"، إذ من المعروف أن خفض سعر صرف عملة أي بلد يجعل أسعار صادراته أقل في أسواق العملات الأخرى، وفي الوقت ذاته يجعل وارداته من هذه الأسواق أعلى سعرا، وبالتالي يعطي تخفيض سعر صرف العملة في أي بلد ميزة تنافسية غير عادلة في مواجهة شركائه التجاريين.
التزام «أوبك بلس»
ولعل محافظة البلدان أعضاء اتفاق "أوبك بلس" على تعهّدها بخفض مستوى الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية مارس المقبل يعد واقعيا، حيث يشير إلى التزام حقيقي بأكثر من المتفق عليه، فقد أعلنت السعودية (أكبر مصدّر عالمي للنفط) أنها ستستمر في تصدير ما يقل عن 7 ملايين برميل يوميا خلال شهري أغسطس الماضي وسبتمبر الجاري، للعمل على استقرار الأسواق، ويقدر أن المملكة تنتج نحو 9.8 ملايين برميل يوميا، بينما تسمح لها حصة الإنتاج المتفق عليها بإنتاج نحو 10.33 ملايين برميل يوميا، أي أنها وحدها تخفض إنتاجها بمقدار نصف مليون برميل يوميا عن الحصة المحددة لها.ويأتي في هذا السياق أيضا إعلان وزير النفط وزير الكهرباء والماء، خالد الفاضل، أخيرا أن الكويت ملتزمة بالكامل بتنفيذ اتفاق خفض الإنتاج، وأنها خفضت إنتاجها بأكثر من المطلوب بموجب هذا الاتفاق، حيث بلغ الالتزام 160 بالمئة في شهر يوليو الماضي.وهذا بطبيعة الحال إضافة إلى انخفاضات في إنتاج دول أخرى، فخلال الأسبوع الأول من الشهر الماضي، الذي انخفضت فيه الأسعار انخفاضا بالغا، كان إنتاج حقل الشرارة الليبي البالغ نحو 390 ألف برميل يوميا متوقفا بالكامل، كما أن إنتاج إيران انخفض حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أقل مستوى له منذ الثمانينيات نتيجة العقوبات الأميركية.ومن الاعتبارات المهمة التي يجب الانتباه لها، بدء تشكيك العديد من المحللين في إمكان ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي عند مستويات الأسعار الحالية؛ إذ في رأيهم أصبحت البقع التي تسمح بإنتاج هذا النفط عند مستويات منخفضة من الأسعار أقل، وهو ما يعني توقّع عدم ارتفاع الإنتاج بالمستقبل في ظل المستوى الراهن للأسعار.المخزونات التجارية
وهناك أيضا اعتبار مهم يتعلق ببدء انخفاض ملحوظ في مستوى المخزونات التجارية من النفط الخام لدى الدول المستهلكة الرئيسية، فقد انخفض المخزون في الولايات المتحدة أكبر مستهلك عالمي للنفط على مدى 4 أسابيع متتالية، وإن كان شهد ارتفاعا محدودا في الأسبوعين الأخيرين، إلا أن المخزون يزيد بمقدار 3 في المئة فقط عن متوسطه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.ويخلص بعض المحللين في ذلك الى رؤى منها المخاوف الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث أقر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضرائب جديدة بنحو 300 مليار دولار على المنتجات الصينية، وربما كان أفضل تعبير عن هذه الرؤية ما جاء في مذكرة لبنك غولدمان ساكس أن المخاوف المتعلقة بأن تقود الحرب التجارية إلى حدوث ركود تتزايد. وهنا توقع بعض الخبراء بأن البلدين الأقوى اقتصاديا في العالم لن يتوصلا إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020. وبشكل عام ترى وكالة الطاقة الدولية أنه مع تصاعد مؤشرات التباطؤ الاقتصادي العالمي سيحدث انخفاض في نمو الطلب على النفط إلى أقل مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث تتوقع الوكالة انخفاض نمو الطلب العالمي على النفط فيما تبقى من العام الحالي إلى 1.1 مليون برميل يوميا، وفي عام 2020 إلى 1.3 مليون برميل يوميا، بعد أن كان هذا النمو خلال السنوات القليلة الماضية يتراوح بين 1.5 و1.6 مليون برميل يوميا.اضطرابات في الأسواق
ويرى بعض المراقبين للأسواق النفطية أنه من المؤكد في حال استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فإنه من شأنه التأثير بقوة على الاقتصاد العالمي، الأمر الذي قد يكون سببا مباشرا في إحداث اضطرابات في سوق النفط قد تستفيد منه إيران والصين. وأدت الحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة الى قلق الدول الصناعية من سلبياتها.وبالنظر الى تزامن انخفاض أسعار النفط مع المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض توقعات الطلب على النفط بسبب ذلك، فإن ذلك يؤثر بشكل واضح وملموس على معنويات المستثمرين ورجال الأعمال، حيث يعتقد الكثير منهم بأن التصعيد الحالي بين أكبر اقتصادين في العالم سيؤدي الى غرق العالم في الركود.وتحذّر بعض المصادر من أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل للحرب التجارية فسيكون لها القدرة على إطلاق الركود عام 2020 إن لم يكن قبل ذلك. وعموما، وبعد هذه الآراء، فإنه من الممكن أن تواجه السوق النفطية في المستقبل القريب مخاطر تعطّل جانب العرض أيضاً، فالنفط الإيراني الخام الذي يواجه طلباً متضائلاً في السوق بسبب العقوبات الأميركية لديه القدرة على فرض مثل هذه المخاطر.