يصادف هذا العام مرور عشر سنوات منذ بدأت تدريس مقرر دراسي في جامعة ييل بعنوان "الصين التالية"، ويركز المقرر على التحولات الاقتصادية الهائلة التي مرت بها الصين الحديثة، وهو يحدد الهدف المتحرك الذي يراوغ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تستهدف الصين القديمة (وهو هدف مناسب لقائد يرغب في إحياء أميركا القديمة). يأتي عدم اتساق سياسات ترامب التجارية والاقتصادية، بكل ما ينطوي عليه من عواقب خطيرة محتملة على الاقتصاد العالمي، كناتج ثانوي مزعزع للاستقرار لهذا الانفصال.

يبدأ المقرر بتوضيح مدى إلحاح التحديات التي واجهها دنغ شياو بينغ في أواخر سبعينيات القرن العشرين، لكن تركيزه الرئيسي يتناول الكيفية التي تفرض بها معجزة النمو الصينية الناتجة عن ذلك على الرئيس شي جين بينغ أربع حتميات انتقالية: التحول من النمو القائم على التصدير والاستثمار إلى اقتصاد مدفوع على نحو متزايد بالاستهلاك الشخصي المحلي؛ والتحول من التصنيع إلى الخدمات؛ والتحول من فائض الادخار إلى امتصاص الادخار من أجل تمويل شبكة الأمان الاجتماعي الذي تحتاج إليه بشدة الطبقة المتوسطة السريعة الشيخوخة؛ والتحول من الإبداع المستورد إلى الإبداع المحلي، والذي سيشكل في نهاية المطاف عاملا حاسما في تحقيق هدف الصين المتمثل بالتحول إلى مجتمع "ميسور الحال باعتدال" بحلول منتصف هذا القرن.

Ad

الواقع أن التقاء هذه التحديات الانتقالية الأربعة كفيل بتثبيط همة أي بلد، ويصدق هذا بشكل خاص في حالة الصين، بسبب اقتصادها السياسي المختلط، مما يسمى نظام السوق الاشتراكية، في ظل توازن القوى الدائم التغير بين الحزب الشيوعي والقطاع الخاص النابض بالحياة. إنها عملية توازن بالغة الصعوبة بكل تأكيد.

وأنا أؤرخ النقطة المحورية على الطريق من الصين القديمة إلى الصين التالية بأوائل عام 2007، عندما شَخَّص رئيس مجلس الدولة آنذاك وِن جيا باو الاقتصاد الصيني المحلق عاليا في ذلك الحين على أنه "غير مستقر، وغير متوازن، وغير منسق، وغير مستدام" على نحو متزايد.

والواقع أن هذه الصفات الأربع أشعلت شرارة مناقشة داخلية نشطة في الصين والتي أدت إلى إعادة النظر بشكل أساسي في نموذج النمو الاقتصادي الصيني وسلسلة من الخطط والإصلاحات الاستراتيجية الجديدة: الخطتين الخمسيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة (من 2011 إلى 2015 ومن 2016 إلى 2020 على التوالي) وما يسمى إصلاحات الجلسة المكتملة الثالثة (في أواخر 2013).

على الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى الصين في الغرب (ناهيك عن التوتر السياسي الشديد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والذي يختمر الآن في العاصمة واشنطن)، فإن التقدم على الطريق إلى الصين التالية كان في حقيقة الأمر استثنائيا على مدار السنوات العشر الأخيرة. فقد ظهر المستهلك الصيني من الطبقة المتوسطة، وبرز قطاع الخدمات كمحرك متزايد القوة للنمو، واختفى فائض الحساب الجاري الصيني الضخم، وهو اتجاه بالغ الأهمية لامتصاص المدخرات الذي يحتاج إليه اقتصاد الصين المحلي، وتتجلى علامات الإبداع المحلي في كل مكان، من التجارة الإلكترونية إلى التكنولوجيا المالية إلى الذكاء الاصطناعي والاختراقات الكبرى في علوم الحياة.

صحيح أن تقدم الصين، كما هي الحال مع كل قصص التنمية الاقتصادية الملحمية، كان متفاوتا في بعض الأحيان منذ عام 2007، وقد نشأت تحديات جديدة على طول الطريق. وتوفر انتقادات وِن جيا باو الأربعة للاقتصاد الصيني طريقة مفيدة لتأطير المخاطر التي لا تزال قائمة، فلا يزال عدم الاستقرار يشكل تهديدا لا ينقطع، والذي تؤكد عليه شهية الصين النهمة للديون، والتي أشعلت شرارة حملة عنيفة لتقليص الديون بهدف تجنب متلازمة اليابان المخيفة. ولا تزال اختلالات التوازن قائمة، وتؤكد عليها حصة الاستهلاك الخاص الأقل من 40% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني، وهو عجز لا يمكن معالجته إلا من خلال شبكة أمان الاجتماعي أكثر قوة (وخاصة معاشات التقاعد والرعاية الصحية). وتشكل التباينات الإقليمية المستمرة، بالتزامن مع اتساع فجوة التفاوت في الدخل، تجليات واضحة للافتقار إلى التنسيق. وبطبيعة الحال، على الرغم من التقدم الأخير في التعامل مع تلوث الهواء، يظل التدهور البيئي يشكل أهمية مركزية لأجندة الاستدامة الصينية الصعبة.

لكن الصراع مع الولايات المتحدة يشكل تحديا جديدا ومهما فيما يتصل بالاستدامة في الصين، فعلى الرغم من سنوات الإنكار، لم يعد هناك أي مجال للشك في أن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية الاحتواء في التعامل مع الصين. فمن حرب التعريفات الجمركية المتزايدة التصاعد واستخدام السياسة التجارية كسلاح من خلال إدراج شركات التكنولوجيا الصينية الرائدة ضمن القائمة السوداء، إلى "الأمر" الصادر عن ترامب للشركات الأميركية بالتوقف عن مزاولة الأعمال مع الصين، وإعلان نائب الرئيس مايك بِنس عن حرب باردة جديدة، تأرجحت المؤسسة السياسية الأميركية بشكل كبير بعيدا عن النظر إلى الصين على أنها فرصة إلى اعتبارها تهديدا وجوديا. وحذت المشاعر العامة حذوها. وجد استطلاع حديث للآراء أجراه مركز أبحاث بيو أن 60% من الأميركيين يحملون وجهات نظر غير ودية تجاه الصين، بارتفاع قدره 13 نقطة مئوية من عام 2018، وهو التقييم الأكثر سلبية للصين منذ بدأت دراسة بيو الاستقصائية في عام 2005.

لننس الآن ما إذا كان هذه الانقلاب مبررا. الواقع أنني أقل اهتماما من كثيرين بما يسمى تهديد الصين، لكنني أتفهم الخوف والقلق اللذين يمسكان بتلابيب المتشككين، فالمشكلة الحقيقية ليست في موضوعية هذه الادعاءات بل في التناقضات العميقة التي تعيب السياسات التي يتصدى بها ترامب لها.

فلا يبدو أن الرئيس الأميركي الذي يسوقه الغضب يفهم أن التجارة الثنائية تنطوي على احتمال الانتقام الفوري عندما يفرض جانب واحد تعريفات جمركية على الآخر، ولا تُبدي الإدارة الأميركية أي فهم للروابط بين عجز الميزانية المتزايد التوسع، والمدخرات المحلية الهزيلة، واختلالات التوازن التجاري المتعددة الأطراف. بل على النقيض من ذلك، تبنت الإدارة علاجا ثنائيا لمشكلة متعددة الأطراف في وقت حيث يضمن افتقار أميركا إلى الانضباط المالي اتساع العجز التجاري مع العالم بأسره في نهاية المطاف.

وبدلا من النظر إلى شركة هواوي كمنافس شرعي في تكنولوجيا الجيل الخامس من الاتصالات 5G، يريد ترامب خنق شركة التكنولوجيا الرائدة في الصين، ناهيك عن أن الارتباك الناتج عن هذا في سلاسل القيمة من شأنه أن يلحق أضرارا عظيمة بالموردين الأميركيين، أو أن استهداف شركة هواوي لا يفعل أي شيء لمعالجة افتقار أميركا الصارخ لقدرات الجيل الخامس.

الواقع أن ترامب، الذي يذكرنا بدون كيشوت، يبارز طواحين هواء، وتستهدف إدارته تصورات عتيقة للصين القديمة، والتي لا تعمل إلا على زيادة المشاكل التي تدعي أنها تعالجها تعقيدا على تعقيد، وقد بدأت الأسواق المالية تستشعر الخطر، وكذلك حال بنك الاحتياطي الفدرالي. في الوقت ذاته يتمكن الإنهاك من الاقتصاد العالمي، والحق أن الولايات المتحدة لم تكن قَط واحة أمان في مثل هذه الأوقات العصيبة، وأشك أن تكون هذه المرة مختلفة.

* عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، والرئيس السابق لشركة مورغان ستانلي في آسيا، وهو مؤلف كتاب "علاقة غير متوازنة: الاعتماد المتبادل بين أميركا والصين".

«ستيفن س. روتش*»