نهاية محزنة!
التقيته أول مرة عندما عُقد اجتماع وزراء النفط العرب في الكويت لاتخاذ إجراءات تنفيذ عدم تصدير النفط العربي إلى أميركا وأوروبا في عام 1973، وحظيت منه بتصريح لإذاعة الكويت.• في عام 1986 كنت قد ساهمت بإخراج برنامج تسجيلي في باريس بمناسبة افتتاح "معرض الرياض بين الأمس واليوم"، وكان بصحبة الأمير سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان آنذاك أميراً للرياض، وهو الذي افتتح المعرض... وكان صوتي يجلجل كل يوم في البرنامج على الهواء مباشرةً:سلامٌ.. سلام..
محبة تفاهم وئام..جئنا من أرض السماء.. لبلاد الأصدقاء..لفرنسا لنؤكد.. أننا أهل وفاء..• وعندما جاء الأمير سلمان خلف الكواليس ليهنئ العاملين، سألني الوزير الجزائري الذي كان بصحبته:- مَن الشاعر الذي كتب تلك الكلمات ومَن كان يلقيها؟فأخبرته أنها كلماتي وصوتي، ثم ذكّرته بلقائي الأول معه في الكويت. • في أواسط التسعينيات دعاني صديقي المفكر العراقي حسن العلوي إلى الغداء في بيته بدمشق، ولما ذهبت فوجئت بوجوده في منزل الصديق حسن، وكان معهم شخص آخر لم يتكلم – علمت فيما بعد أنه كارلوس - الذي كان يعمل مع المنظمات الفلسطينية، والذي سلّمه حسن الترابي، قائد التيار الإسلامي في السودان، إلى فرنسا، حيث سُجن بتهم إرهابية.وكان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قد خصص له ولحسن العلوي وكارلوس مساكن متجاورة، وكم كان الوزير الجزائري مشغوفاً بأكلة الباميا على الطريقة العراقية التي أعدتها زوجة العلوي.***• ثم استقر بالوزير الجزائري المقام في الإمارات، بعد أن أعد له الشيخ زايد إقامة في أبوظبي، كنت ألتقيه ليلاً بأمسيات رمضان في مجلس المثقف الإماراتي محمد بن أحمد السويدي، لأكتشف أن الوزير الجزائري يحتفظ بذكريات جميلة لعلاقته الوطيدة بالشيخ صباح الأحمد، حيث توليا معاً أطول مدة كوزراء خارجية عرب، وليس هذا فحسب، فالرجل قارئ من الطراز الرفيع وبأكثر من لغة، وهو من عشاق الموسيقى الكلاسيكية، فكانت الأمسيات ثرية جداً بالمناقشات ذات المستوى الرفيع.***• وعندما طفحت الأحداث المتوترة في الجزائر، لم يجدوا سواه كرجل مناسب لإطفاء حدة التوتر... وبالفعل أصبح رئيساً للجزائر.• في الرئاسة الثانية له أحب أن يكرّم أصدقائه ممن كان يلتقيهم في أبوظبي، فكنت ضمن الذين وقع الاختيار عليهم، فذهبت إلى الجزائر بصحبة مجموعة يتقدمها الأديب الشاعر والمثقف محمد السويدي، وكان معنا العديد من الشخصيات، أذكر منهم الشاعر اللبناني طلال حيدر.• ورغم كثرة مشاغله، فقد كان يستقبلنا في مقر الرئاسة ليلاً، وتدور بيننا نفس الحوارات التاريخية والأدبية، وتشمل الموسيقى الكلاسيكية كذلك.. فأمضيت شهراً من أمتع الأشهر، واكتشفت أن الجزائر قارة ثرية يجب أن يكتشفها الأثرياء العرب ليستثمروا فيها.***• وكم حزنت عندما دهمته الأمراض، وكان يجب أن يركن إلى الراحة، لكن مافيا الفساد استغلته لتجعل منه غطاء لفسادها... بيد أن شعب الجزائر الذي دفع الثمن باهظاً لن يكف ولن يهدأ حتى يحقق ما يطمح إليه من الحرية والديمقراطية، وكم أدعو الله صادقاً أن يوفقهم في مسعاهم... وكم ترحمت على الرجل الذي جيء به منقذاً، فلوثته المؤسسات الفاسدة، لينتهي إلى مثل هذه النهاية المحزنة، فرحم الله عبدالعزيز بو تفليقة حياً وميتاً.