«أوليغارشيات» وزارة الدفاع
في إندونيسيا، بعهد الرئيس سوهارتو، كانوا يلقبون زوجته بسيدة العشرة في المئة، فهي كانت تتقاضى هذه النسبة في معظم صفقات الدولة المالية، حصة ثابتة تبدو كضريبة غير رسمية لمدام الرئيس. انتهى عهد سوهارتو الذي كان يمثل نموذجاً لـ "الأوليغارشية" السلطانية، في تفسير أحد الباحثين. "الأوليغارشية" هي الأقلية المتنفذة التي تمتلك المال وتوظفه من أجل تكريس سلطتها، وهي أيضاً بالمقابل تستغل نفوذها السياسي في الدولة أو مؤسساتها لمزيد من تراكم الثروة لها ولأجيالها... ولا خطر على "الأوليغارشيات" هذه (أحياناً) إلا صراعاتها بعضها مع بعض، ولا يعد هذا خطراً حقيقياً يهددها، بينما الخطر الجدي يأتي من الناس (الجمهور) الذين هم في الأسفل، حين يتجذر وعيهم بفساد ودمار الأوليغارشية لدولتهم ومستقبل أجيالهم.لا تخلو دولة ما من تلك الأوليغارشيات في التاريخ القديم أو الحديث. المافيا تمثل صورة تقليدية لها، لكن في دولة حكم القانون، وفي وجود رموز سياسة نزيهة وتتغيّا الإصلاح يصبح وجود أو استمرار تلك الجماعات عسيراً. لنترك "أوليغارشيات" الغير في عالم النكد العربي ودول العالم النامي... ماذا عنا هنا في الكويت؟ ماذا تم في قضايا وهموم الفساد "الأوليغارشي"؟ وهل هناك أي بصيص نور في الأفق، ليس للقضاء عليها، فهذا حلم لا يمكن تخيله، وإنما الأمل يكون بالحد من سلطانها ونفوذها وفسادها في معظم مؤسسات الدولة دون استثناء، أوليغارشيات العمولات كالمنشار، تأكل من خاصرة المستقبل أياً كانت الظروف، سواء كان سعر برميل النفط مئة وأربعين دولاراً أو خمسيناً.
خذوا كمثال ممعن في فساده؛ صفقة طائرات اليوروفايتر وصفقة الطائرات الفرنسية، أين وصلت أمورها وأين ستنتهي؟ مضى تسعة أشهر تقريباً على تشكيل لجنة للتحقيق في تلك الصفقة التي أمر بها وزير الدفاع، وحتى الآن، لا أحد يدري أين انتهت! أسئلة يمكن تصورها من شاكلة: هل تملك هذه اللجنة الإمكانيات والقدرات الفنية لكشف فساد الصفقة؟ هل تستطيع هذه اللجنة أن تخبرنا عن المسؤولين الكبار الذين يمكن إحالتهم إلى القضاء من دون تأخير ولفلفة المواضيع بحجج شكلية تعودنا على سماعها، من قبل أن تغلق ملف القضية للأبد؟ هل يمكنها أن تعلمنا عن "السادة" أصحاب العشرة في المئة أو العشرين أو الثلاثين؟! وكل فرد منهم يمكن أن يعادل حصة مدام "سوهارتو" أو أكثر في صفقة اليوروفايتر وعشرات ومئات الصفقات لهذه الوزارة بقدر حجم الفساد المستوطن فيها.الشيخ ناصر وزير الدفاع قام بخطوة جريئة وشجاعة بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا الموضوع، ولكن لا يبدو أن هذه اللجنة في تلك القضية بكل تشعباتها وتعقيداتها وتدخل الأوليغارشيات يمكنها أن تصنع الكثير في تحديد شخصيات مدام سوهارتو الكويتية. ماذا لو استعان الشيخ ناصر بمكاتب أجنبية متخصصة لها الإمكانيات الفنية لنبش صفقة اليوروفايتر وغيرها من صفقات لم يكن بدايتها صفقات عقود توريد التغذية القديمة بعد التحرير مباشرة، وليس نهايتها اليورفايتر وغيرها من الفضائح المعششة في إرث هذه الوزارة؟. طبيعي هناك قوى متنفذة "أوليغارشية" في جوف الوزارة وفي خارجها وفي معظم مؤسسات الدولة، تلك الجماعات "المنشارية" يهمها إسكات أي صوت يهدد بالكلام عن فسادها، يهمها أن تحشر أي فرد، ولو حدث أن هذا كان الوزير النزيه ذاته، في متاهات بيروقراطية فاسدة لا يستطيع أحد أن يخرج منها ويحدد شخصيات "مدام سوهارتو"، وتضيع الحسبة آخر الأمر بيأس المسؤول الشريف الذي حاول أن ينبش عش الدبابير.المهم فضح عقارب "أوليغارشيات" الدولة، فقد امتلأ جسدها بسمومهم.