ملاحظات على الجهاز الحكومي
الجهاز الحكومي جهاز مهم، فهو الذي يقود التنمية ويعمل على تحقيق أهدافها، ويعالج الكثير من مشاكل الدولة، وبالرغم من الانتقادات الكثيرة التي توجه لهذا الجهاز والتي ينظر إليها البعض على أساس أنها نوع من جلد الذات فإننا نعتقد أن هذا الجهاز قد قدم الكثير من الخدمات النافعة للوطن والمواطن. نذكر على سبيل المثال تطوير خدمات بعض خطط التنمية كالخطة التعليمية كماً ونوعاً، حيث بدأ التعليم متواضعا في الثلاثينيات، ثم بدأ بالتوسع التدريحي ليتمكن كل طفل من الالتحاق بمدرسة قريبة من مسكنه، كما تم تطوير التعليم من الناحية النوعية سواء عن طريق إجراء الدراسات والبحوث أو استدعاء الخبراء، فتم تطوير الأهداف والمناهج بشكل تدريجي ومستمر. ثم نما الاهتمام بالتعليم العالي، وكذلك الحال بتطور الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والسكنية، والاهتمام بالاستثمارات الخارجية كنوع من التفكير بتنويع مصادر الدخل، والاهتمام بضمان مستقبل جيد للأجيال القادمة، ليعيشوا حياة كريمة، ولكن هذا لا يمنع من تقديم بعض الملاحظات على أعمال ذلك الجهاز لتحقيق مستقبل أفضل.
ومن أهم المشكلات التي يعانيها الجهاز الحكومي التضخم في أعداد الموظفين، ومن أهم أسبابه التزام الدولة بتعيين كل مواطن يتقدم للعمل بغض النظر عما إذا كانت هناك حاجة لهذا الموظف أم لا، وذلك تطبيقا لمادة في الدستور تطالب بأن يكون لكل مواطن الحق في العمل واختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة، ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة بتوفيره للمواطنين ومراعاة عدالة شروطه. ومن أسباب التزام الدولة بهذا المبدأ تخوفها مما تسببه البطالة من آثار سلبية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وسيؤدي ذلك الالتزام حتما إلى تفشي البطالة المقنعة في المؤسسات الحكومية، وما يترتب على ذلك من ظواهر سلبية كثيرة نتيجة لوجود موظفين يتقاضون رواتب عالية، وليس لهم عمل ولا مسؤولية ولا مساءلة، علما أن عدد الموظفين الكويتيين في الجهاز الحكومي يبلغ 220 ألف موظف تقريبا، وكثير منهم يعاني البطالة المقنعة. ومن الممكن معالجة هذه المشكلة عن طريق تخلي الجهاز الحكومي عن بعض مؤسساته للقطاع الخاص كقطاع التعليم والصحة والبريد والهاتف، على أن تتفرغ الأجهزة الحكومية للعدل والدفاع والأمن والسياسة الخارجية، وقد أشارت بعض خطط التنمية السابقة لذلك. ومن مشكلات الجهاز الحكومي التردد في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فقد تستدعي الدولة الخبراء وتجري الكثير من الدراسات لمعالجة مشكلة معينة، ولكن تظل نتائج تلك الآراء والدراسات حبيسة الأدراج، حتى بلير أشار في تقريره الذي قدمه للدولة إلى أن الكويت لا تنقصها الدراسات ولكن ينقصها اتخاذ القرار، وهذا مرض خطير سيؤدي إلى تفاقم المشكلات. فمثلا مشكلة البدون قُدمت لها الحلول ولكن لم تخضع للمعالجة، وكذلك مشروع مدينة الحرير قُدمت الدراسات لأهميته، ولكن حتى الآن لم يُتخذ قرار التنفيذ. ومن مشكلات هذا الجهاز عدم مراعاة بعض القياديين لتطبيق قانون العدالة بين الموظفين خصوصا في مجال الترقيات، فكثيراً ما نسمع من يعاقب المستحق للثواب، فهؤلاء الموظفون أمانة في عنق الدولة، ولا يجوز ظلمهم ودفعهم للجوء إلى القضاء ليحصلوا على حقوقهم.