أزمة سياسية بلا نهاية
الأزمة السياسية المشتعلة منذ قرابة سنوات أربع في بريطانيا، باسم "بريكست"، أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا يبدو أنها ستنتهي، بل سينتج عنها ذيول وتعقيدات، تتجاوز موضوع بريكست، بل تصل إلى جذور العملية السياسية، وانقسامات مجتمعية وحزبية صعبة الترميم وعودتها إلى سابق عهدها.كيف بدأت الأزمة؟الأزمة جاءت كسوء تقدير سياسي لرئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، حين أعلن تحديه للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لإصدارها حكماً عمالياً ضد بريطانيا، معلناً أنه سيخرج من الاتحاد الأوروبي. كان ذلك مجرد محاولة لإعلان رد فعل على حكم المحكمة الأوروبية، حيث لم يكن كاميرون مؤيداً للخروج، إلا أن اليمين المتطرف التقط الفكرة وأنشأ حزب "يوكيب"، الذي حولها إلى قضية شعبية، فاضطر كاميرون لإجراء الاستفتاء. فاز توجه الخروج بأغلبية بسيطة، وتم اعتماده على الرغم من حصول تجاوزات أكدتها التحقيقات. إلا أن النتيجة وأجواء الاستفتاء دلتا على وجود انقسام حاد في المجتمع. واستقال ديفيد كاميرون وتولت رئاسة الوزراء تيريزا ماي.
ما تداعيات الأزمة؟ الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس كالخروج من المنظمات العربية، بل يتطلب مفاوضات والتزامات مالية تقدر بالنسبة إلى بريطانيا بـ ٤٠ مليار باوند تقريباً. وعبثاً حاولت ماي التفاوض مع الاتحاد الأوروبي للحصول على شروطها، فلم تنجح، وقدمت ٣ مقترحات رفضها البرلمان بأغلبية ساحقة، بما في ذلك عدد كبير من حزب المحافظين باتجاه نحو اليمين الراديكالي أكثر من اليمين المحافظ التقليدي. وكان أن تم التصويت على الخروج في ٣١ أكتوبر.لماذا اشتعلت الأزمة مؤخراً؟استقالت تيريزا ماي بعد فشلها في تحقيق الاتفاق، ورفْض البرلمان لمقترحاتها، وتولى بوريس جونسون رئاسة الوزراء بعد انتخابات داخلية مضنية، وهو شخصية مثيرة للجدل، وصفه الرئيس ترامب بأنه يشبهه. بدأ جونسون ذو الأصول التركية باتخاذ خطوات غير مسبوقة، منها تعطيل البرلمان مدة خمسة أسابيع، وإعلانه استعداده للخروج بدون اتفاق بغض النظر عن النتائج. أدى ذلك إلى تجمع المعارضة على الرغم من اختلافاتها، ومعهم عدد من متمردي حزب المحافظين، لمنع الخروج دون اتفاق، ومن المقرر أن يستخدموا عدة تكتيكات منها القانوني ومنها طرح الثقة، وتقدموا بقانون يفترض أن يكون صُوِّت عليه أمس الثلاثاء، يُلزم الحكومة بعدم الخروج دون اتفاق. أما جونسون فقد هدد النواب المحافظين بالفصل من الحزب إن هم صوتوا لمصلحة القانون، فإن فعلوا ذلك فسوف يدعو لانتخابات عامة في ١٤ أكتوبر، ولذلك بدأ هذه الأيام في الوعود الانتخابية بزيادة الإنفاق العام على الشرطة والصحة وغيرها التي كان الحزب يرفضها في السنوات العشر الماضية.الأزمة السياسية في بريطانيا ليست كالأزمات السابقة، ولا يبدو أن الحياة السياسية ستعود إلى سابق عهدها، كما لا يبدو أن حزب المحافظين سيعود كما كان، والأغلب أنه سيتمخض عن هذه الأزمة الطاحنة واقع سياسي جديد.