شنت إسرائيل أخيراً سلسلة من الأعمال العدائية شملت تصعيد حربها ضد إيران وحزب الله، ولأول مرة في نحو خمس سنوات هجوماً استهدف الأراضي اللبنانية، وذلك بحسب تقارير من مصادر أجنبية. وعلى أي حال، تشير المؤشرات الأولية الى أن الكابوس الحقيقي الذي ينتظره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يكمن في طهران أو بيروت بل في واشنطن. وتوجد تلميحات تقول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اتخذ خطوات من أجل الاجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني وبوساطة فرنسية، وهذه أنباء سيئة بالنسبة الى نتنياهو، وهي الأسوأ التي تلقاها بخلاف الاتهامات الجنائية التي يواجهها في الوقت الراهن، كما أن اللهجة المعتدلة التي صدرت فجأة عن ترامب نحو إيران تثير أقصى درجات الهلع في إسرائيل، حيث أشارت الى احتمال أن تتحول إيران الى كوريا شمالية جديدة، وفي حقيقة الأمر قد يتحول ترامب الى شخص بارع التصرف يغير القواعد بين عشية وضحاها، ويستبدل لهجة حملته ضد إيران بعلاقة مودة وتقارب.
لا تتجسس إسرائيل على الولايات المتحدة، وقد تعلمت الدرس من قضية بولارد، لكن ذلك لا يعني أن إسرائيل لا تحاول أن تفهم السياسة الأميركية وتحليل الخطوات التي تقوم بها الإدارة ونفوذ الكونغرس أو متابعة مختلف السيناريوهات المحتملة في الخطوات الأميركية. ويشارك أبرع المفكرين في إسرائيل في تلك التحليلات لأنها مهمة جداً بالنسبة الى أمنها القومي، ولكن أفضل تحليلات اليوم تضيع في مواجهة الحقيقة، ومن الواضح تماماً أن الجانب الأكثر صعوبة يتمثل بالتنبؤ بخطوات ترامب في المستقبل وما تنطوي عليه من تغير محتمل.المعروف أن إسرائيل حرصت في السنوات الماضية على القول إن أعضاء في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد أكدوا أن الشيء الوحيد الذي يتعين أن يعرفوه بشكل محدد تماماً وفي أي وقت هو ما الشيء الذي يدور في ذهن حكام الدول العربية المجاورة، وما نوعية تفكيرهم وخططهم في المستقبل، أما اليوم فإن التركيز في إسرائيل يتمحور بقدر أكبر حول الشيء الذي يدور في ذهن الرئيس ترامب، وهل من الممكن التنبؤ بما يعتزم القيام به في نطاق السياسة؟ وهل هو منطقي؟ أم عاطفي؟ أم متهور؟ وهل ثمة صيغة سرية تسمح لإسرائيل بفهم الوجهة التي يمكن أن يقصدها؟
فترة ما قبل ترامب
في الفترة التي سبقت وصول دونالد ترامب الى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة كانت التحليلات المتعلقة بالسياسة الأميركية تتكون من عدد الصور المتنوعة: توازن القوى بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ونفوذ أيباك– لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية- ونوعية مستشاري الرئيس وفقاً لثقلهم النوعي إضافة الى عقيدة الرئيس ونظرته السياسية بصورة عامة، أما في الوقت الراهن فإن كل هذه الصور قد اختفت بشكل تام وترامب وحش مختلف تماماً ولا شيء يعتبر نهائياً بالنسبة إليه ولا شيء يمكن التنبؤ به، وإذا كانت الأمور منطقية فإنها لن تحدث أو تتحقق وما يحدث هو دائماً الشيء غير المنطقي.وفي الماضي أيضاً اعتبرت إسرائيل انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران– تحت ضغط من جانب نتنياهو– مثل إنجاز رئيسي، ولكن خبراء الأمن أضافوا تحذيراً شديداً: إن سلوك ترامب في المستقبل لا يمكن التنبؤ به. والسؤال هو: هل يستمر في الضغط على إيران كما يقول؟ وكيف سيكون رده عندما يعمد الإيرانيون الى التصعيد؟ وهل هو قادر على فقد الاهتمام بصورة تامة والتخلي عن هذه القضية بشكل مفاجئ، كما فعل إزاء كوريا الشمالية؟ الجواب عن هذه الأسئلة كلها هو: نعم ترامب قادر على عمل كل شيء وأي شيء من دون استثناء.وقبل نحو سنة من الآن توقع خبراء القوات المسلحة الإسرائيلية أن إيران ستبدأ بشكل تدريجي بالتخلي عن اتفاقها النووي وذلك في أعقاب الانسحاب الأميركي منه، وتجديد العقوبات الاقتصادية عليها، وكان هذا السلوك الإيراني واضحاً ويمكن التنبؤ به، وكانت المشكلة الوحيدة هي عدم معرفة طريقة الرئيس ترامب في الرد على الخطوة الإيرانية. وقد تحقق التقييم الإسرائيلي المتعلق بإيران بصورة تامة، كما تم توقع المراحل المتعددة لذلك سلفاً، وكان الجانب المفقود والمهم من المعادلة هو موقف الرئيس الأميركي. وتجدر الإشارة الى أن عوامل الخوف والقلق حول تصرف الرئيس ترامب عندما تصل إيران الى نقطة اللاعودة في ما يتعلق بالقنبلة النووية قد تم التعبير عنها بشكل متردد في الماضي، أما الآن فقد ازدادت المخاوف سوءاً بصورة دراماتيكية. وعندما سوف تشعر إيران بأنها قد وضعت في الزاوية وعندما تدرس ما اذا كان عليها التخلي عن التزامها في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومن ثم «تسارع الى امتلاك القنبلة»، ماذا سيفعل الرئيس الأميركي؟ ويكمن الخوف الإسرائيلي في احتمال أن يفقد الاهتمام وهو القلق الذي تعزز في الأيام القليلة الماضية، واليوم تدعو الأوساط العليا في إسرائيل ألا يفعل الرئيس ترامب ذلك.دور السفير الإسرائيلي
في غضون ذلك استمرت الاتصالات الهاتفية بين بنيامين نتنياهو والسفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر والبيت الأبيض ولاس فيغاس (مقر شيلدون أديلسون). ويعمل ديرمر أيضاً كمبعوث الى ولايات حزام الكتاب المقدس الأميركية وهي بشكل رئيس مجتمعات إنجيلية مؤيدة لإسرائيل. ويهدف ديرمر في الوقت الراهن الى التأكد من أن الرئيس سيفهم– ليس عن طريق الإسرائيليين– أن تصرفات رئاسية معينة ازاء القضية الإيرانية قد تدفع القاعدة الانجيلية الى التخلي عنه في الانتخابات في العام المقبل. كما تم أيضاً استدعاء رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين أكثر من مرة من قبل القيادة الإسرائيلية من أجل تحليل السيناريوهات المحتملة في حال قرر الرئيس ترامب رفع الضغوط الاقتصادية والعسكرية عن إيران في مقابل اجراء مفاوضات ثنائية، ويذكر أن لكوهين أيضاً علاقات جيدة مع البيت الأبيض وهو يحاول أن يفهم ما يفكر الرئيس الأميركي في القيام به.المؤشرات المثيرة للقلق
وقد برز أول المؤشرات المثيرة للقلق حول خيار تلك المفاوضات في الأسبوع الماضي وأحدثت موجة من الهلع في إسرائيل. صحيح أن الرئيس ترامب لم يقرر هذه الخطوة بعد غير أن احتمالات قيامه بها ازدادت بصورة كبيرة ومثل هذا التصرف قد يحول جهود نتنياهو ضد التوجه النووي الإيراني الى فشل كبير ولافت، وهذا آخر ما يتمنى نتنياهو حدوثه قبل الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من هذا الشهر أو في أي يوم آخر.ولا يزال نتنياهو مقتنعاً بأن في وسعه التحكم بتصرفات الرئيس الأميركي قبل موعد حملته الانتخابية في العام المقبل، ولكن السؤال الآن هو هل أن ترامب يريد حدوث ذلك؟● بن كاسبيت - المونيتور