روحوا انضبوا!
يستمر مسلسل الاستعباط السياسي باستعراض الحكومة عضلاتها على الحسابات الوهمية هذه المرة، وفي سيناريو سمج بتكراره يقيم مجلسها المنتخب حفلة "زار" ليثبت أنه حكومي أكثر منها للتصدي لهذا الملف، وكأنه سلاح الدمار الشامل الوحيد الذي يهدد وجود الكويت، وبذلك أثبت الكثير من الأعضاء ممن اختارهم الناس أنهم لا يعرفون حتى أبجد هوّز مبادئ الدستور أو القانون بتبجحهم بسحب جناسي أصحاب الحسابات الوهمية، فما هذه السخافات؟ ولماذا وصلت الحالة النفسية ودرجة الخوف بأعضاء السلطتين إلى حد التخبط وإهانة قيمة الجنسية الكويتية التي اكتسبها المواطن رغماً عن أنفهم، فجعلوا من أنفسهم أضحوكة تكشف مدى العجز والضحالة في التعامل، عاد سحب الجنسية مرة وحدة؟ يا لدنو الأخلاق والمستوى.وبالرغم من أنني لست من مشجعي الحسابات الوهمية أو الترويج للإشاعات الكاذبة أو استخدام وسائل التواصل للسب وخلق الفتنة، فمن صور الشجاعة أن يعبّر الإنسان عن رأيه بحرية وجرأة، ولكن سياسة تكميم الأفواه ومصادرة كل أشكال الحريات العامة والشخصية من قبل الحكومة وتابعها قفة مع استمرارهما في الفشل والمكابرة في ركوب الأخطاء التي دمرت البلد تماماً هي من دفعت البعض إلى الاستعانة بحسابات قد تحمل رمزية معينة، وليس بالضرورة أن تكون وهمية، وهذا بحد ذاته جزء من الحرية الشخصية التي يستحيل أن يفهمها ساسة السلطة التنفيذية والتشريعية، وهو أسلوب متبع في أرقى ديمقراطيات العالم وأكثرها انفتاحاً، كما هي الحال أيضاً في أكثر الدول القمعية، فلا علاقة للحسابات الوهمية أو المستعارة بشكل ونوع النظام السياسي وحدود الحرية فيه.
على فطاحل زمانهم من الوزراء والنواب أن يفهموا أيضاً أننا نعيش في ذروة عصر المعلوماتية، ويمكن تسجيل أي حساب في أي مكان في العالم، ويتداول بشكل طبيعي ولا تناله يد القانون، ومن غير المستغرب ألا يعرف العديد ممن هستروا من الحسابات الوهمية حتى فتح صفحة إلكترونية أو كتابة تغريدة ناهيك عن بحر الأسرار في الثورة المعلوماتية المعاصرة.الأهم من ذلك، إن كان لدى الحكومة والمجلس ثقة بعملهما ودورهما وإنجازاتهما فإن مصداقيتهما لدى الناس يفترض أن تكون خط الحماية الأول وجهاز المناعة لمواجهة ما يتداول في الحسابات الوهمية أو غيرها، لكن يبدو أن شطارة الحكومة ومجلس الأمة القابع في جيبها وإبداعاتهما تنحصر في القمع وتكميم الأفواه، ولم تصل إلى مستوى النضج والكفاءة الإدارية والشفافية السياسية في تدشين المواقع الرسمية وإدارة عملياتها أو تعيين المتحدثين الرسميين أو عقد المؤتمرات الإعلامية في مخاطبة الشعب، وتوضيح سياساتها وقراراتها والدفاع عنها، وتترك الناس لتقول ما تشاء، فإغلاق الحسابات الوهمية سيفتح المجال للعديد من الوسائل الأخرى لفضح المستور، وكشف عيوب السلطتين، وأبسطها كلام الناس للناس في الدواوين والبيوت ومقار العمل وغيرها، فهل سيشتط النواب لتعميم سحب الجناسي على هذه الطرق أيضاً؟ العجيب أن الحكومة غير قادرة على مواجهة أصحاب النفوذ وبعض الصحف والشخصيات التي تجلدها ليل نهار، وتبتزها بالبنط العريض بما في ذلك نشر الكثير من الأخبار والمعلومات الكاذبة في وضح النهار، ولا تجرؤ على محاسبتهم بل تنصاع لأوامرهم، ثم تستعرض عضلاتها على الناس البسطاء في حرب مع الوهم، يا عمي.. روحوا انضبوا!