● في عالمكِ الشعري، ما منطلقاتك العامة في الكتابة؟

Ad

- الكتابة هي استعادة الماضي وتخطيه ومحاولة تشكيل الحياة على خريطة جديدة، سواء كان ماضي الشعر أو ماضي الحياة اليومية والفكرية والنفسية معاً، في الكتابة أشقّ طرقاً وعرة ومخيفة وخطِرة، وأقطع أودية وأنهاراً ومحيطات، ولا أختار نمط كتابتي ولا نمط سيري في مسافات الشعر، لأن الاختيار سيجعلني أتبع خريطة وتتبعها لن يوصلني لغاية أريد بلوغها بطريقتي وحدي، ولا أظن أن القصيدة تأتي من اللامكان، كما يقول الشاعر عواد العراقي، لكنها حتماً امتداد لذاكرة وأصوات وأحلام وإخفاقات ومنطلقات عالمي الشعري لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن أن أرسمها على دفتر أستدل به على طريقي أو طريقتي. حين أكتب قصيدتي أضع داخلها كل التفاصيل التي تمر بها حالتي، لا يمكن أن أبقي شيئاً داخل روحي أو خارج نصي، أحاول أن أصل إلى نسختي أو استنساخي بصدق خالص وشفافية مطلقة. يقول ريلكه: "لا تكتب الشعر إلا عندما تشعر أنك ستموت إذا لم تفعل"، وأظن أنني أعيش هذا تماماً في كل كتابة.

● كيف تنامت حالة الكتابة الإبداعية لديكِ في ضوء دواوينكِ الشعرية الثلاثة، خاصة أن هناك فاصلاً زمنياً كبيراً بين ديوانك الأول والثاني؟

- ثمة علاقة خفية بيني وبين نصوصي، وبين دواويني ذاتها، علاقة قد تكشف مكونات العالم بالنسبة إلي ومكونات عوالمي بالنسبة إلى كتبي فيما بينها، إذا اعتبرناهم إخوة تختلف أعمارهم ونفسياتهم وطموحاتهم. كتبي أطفالي الذين نسيت أن أدفعهم للعالم على شكل كتل من لحم ودم. يقول هايدغر "إن الشعر هو أكثر الأفعال حظاً من البراءة"، وفي تقديري أن دواويني على اختلاف أعمارها تعيش معي وفيما بينها بنفس حالة البراءة التي خلقت فيها واستمرت على أثرها.

وبين الكتاب الأول والثاني 18 عاماً، وهي سنوات كانت كافية لأتفرغ للأمومة وتربية الشعر العنيد داخل امرأة تصارع أمومتين مع كائنين مختلفين، الأول أطفالي الذين هم أنوار روحي، والثاني نيران روحي التي هي نصوصي.

خوفي من الشعر ومن نصوصي يجعلني أعيش سباقاً بيني وبين مقتضيات اللغة، هو الذي يمكن أن يحدد النقلة بين نص ونص أو القفزة بين كتاب وآخر.

لا أعرف كيف أسوّق لنصوصي وكتبي، لكنني أجزم بأنني أعرف كيف أربيها وأجعلها تكبر كشجرة تظللني.

● عناوين دواوينك تشي بشاعرة تدور باحترافية في فلك الحداثة... كيف تختارينها؟

- العنوان مشرع على احتمالات اللعنة اللغوية، بمعنى أن للغة لعنتها علينا إذا لم تستطع أو نحن لم نستطع أن نبلغ المعنى، فكلانا يمكن أن يكون ضحية؛ إما أن تكون اللغة ضحية قصورنا في تبليغ معناها أو العكس، لذلك فالعنوان يحتاج منا حكمة وخشوعا واستسلاما في نفس الوقت لعبقرية المتلقي ولولبية اللغة بما هي معاني مشرعة على مسافات لا تنتهي، وأحاول أن أختزل في عناوين دواويني طاقة شعري في تلك المرحلة من الكتابة، ومن تلك الطاقة سيتولدّ تشبثي بنصي وتشبث القارئ بإغراءات العنوان.

● هل نلتِ تكريماً كافياً في بلدك أو على المستوى العربي؟

- لا يمكن أن نقيس إبداعية الكاتب بعدد الجوائز التي أحرزها، وليست المشاركة في المسابقات الشعرية مقياس أهمية حضوره ونشاطه الإبداعي، ولكن بقدر دورها في صقل التجربة بقدر خطورتها، لأن مقاييس التقييم لم تكن في الغالب مقايس تحتكم إلى ذائقة صحيحة كالعلوم الصحيحة أو ثابتة أو ذات منطلقات واضحة، ورغم ذلك شاركت في مسابقات وأحرزت مراتب أولى، لكنها لم تخول لي إشعاعاً وطنياً، بالمفهوم الكلي للكلمة.

وفي تونس ساحة الشعر مخيفة وتتسع للجميع، لكنها لا تسمح ببروز الأسماء الجادة، وفي مجتمعاتنا العربية لا يُسمح للنقاد المهمين والكتاب الحقيقيين بالبروز.

وعربياً، أشعر أن تكريمي تم من طرف قرائي الذين يزداد عددهم وانتباههم ومحبتهم يوما بعد يوم، وهذا بالنسبة لي أعظم تكريم، ثم لابد من الإشارة إلى أن استضافتي من طرف الإعلامي الشاعر القدير زاهي وهبي في برنامجه العريق "بيت القصيد" يعد تكريما عربياً مهما لي، واعترافاً بتجربتي الشعرية؛ لما يعرف به هذا المنبر الإعلامي من مصداقية وجدية وبحث حثيث عن التجارب الجادة، كما أن دعوتي من طرف مهرجانات شعرية مهمة يعد أيضاً اعترافاً بتجربتي وتثميناً لخطواتي.

● إلى أي مدى حصلت أعمالك الشعرية على اهتمام النقاد؟

- يقول صاحب الأرض الخراب، ت. س إليوت: "الشعر متعة، ومهمة النقد زيادة المتعة"، لكن في عالمنا العربي للأسف يفوق عدد الشعراء عدد القراء والنقاد، ولا أعرف هل الشعر صعب المنال أم أن النقد أصعب! ورغم ذلك لا يمكن أن أقول إن نصوصي لم تحظ باهتمام نقدي، فعدد مهم من شعراء ونقاد عرب كتبوا عن تجربتي، والمنصف الوهايبي خصني بأكثر من دراسة وأيضاً الشاعر عواد ناصر من العراق وأديب صعب من لبنان ونور الدين زويتن من المغرب، كما أن الجامعة التونسية احتفت بنصوصي في دراسات ماجستير، وهذا مكسب مهم في تجربتي.

● حدثيني عن تجربتك مع الشعر المسموع وكيف لمست أصداءه على "يوتيوب"؟

- الشعر المسموع لم يكن ضرورياً بالنسبة إلي إلا في صلب القراءات المباشرة في الملتقيات والمهرجانات، لكن قرائي كانوا يطالبون بذلك، فوجدت نفسي منطاعة للأمر وسجلت عدداً من القصائد، على أمل أن تتسع شبكة تلك القصائد المسموعة التي استطاعت أن تنفذ إلى عدد مهم من القراء ووسائل الإعلام التي اعتمدتها في برامج ثقافية.

محمود درويش

● ماذا عن أبرز أنشطة "بيت محمود درويش" الذي تفضلت بتأسيسه في تونس، وإلام تطمحين لتعظيم دوره الثقافي؟

- يمر بيت محمود درويش في هذه الفترة بمرحلة عسيرة بسبب افتقاره لمقر رسمي، لذلك علقنا نشاطه في انتظار إيجاد حل جذري تستمر على أثره مسابقة بيت محمود درويش السنوية للشعر ونشاطاتنا الشهرية التي عرفت على مدى أربع سنوات نجاحاً مهماً وإشعاعاً عربياً ودولياً، رغم بداية التجربة وبعض العراقيل.

● ما المشروع الشعري الذي تعكفين عليه راهناً؟

- بعد كتابي الأخير "ليس للأرض باب وسأفتحه" الصادر عن دار زينب للنشر، أحتاج إلى فترة هدوء نسبي بيني وبين نفسي، لأستجمع مرحلة جديدة للكتابة أشعر أنها ستكون مختلفة تماماً عما سبقها.