هل تشق إيران طريقها نحو المفاوضات؟
ستدخل قمة مجموعة الدول السبع (G7) لهذا العام التاريخ بديناميتها المذهلة فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية. وللوهلة الأولى، بدا أن الاجتماع في فرنسا، كان الفعل الأخير في جهود الرئيس إيمانويل ماكرون للتوسط بين طهران وواشنطن، فوصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشكل مفاجئ في خضم القمة، وفي اليوم التالي، صرح الرئيس حسن روحاني: "لو كنت أعلم أن حضور اجتماع وزيارة شخص يساهمان في تنمية بلادي ومعالجة مشاكل الشعب، لما كنت لأفوّتهما"، في إشارة على ما يبدو إلى محادثات محتملة مع الرئيس ترامب، ولكن منذ ذلك الحين، أصدر المسؤولون الإيرانيون تصريحات وشروطاً مسبقة تشير إلى أن الحكومات الغربية قد تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود قبل أن تعيد طهران استئناف المفاوضات. في مؤتمر صحافي مشترك عُقد في أغسطس بعد اجتماع القمة، أشار ماكرون إلى أنه في حين "لا شيء منقوش في الصخر"، إلا أن الكثير من الجهود قد بُذلت لإعادة طهران وواشنطن إلى طاولة المفاوضات، وأنه "يمكن القول إنه جرى وضع خارطة طريق". وعلى وجه التحديد، قال لروحاني وظريف إنه إذا قبلا بعقد اجتماع مع ترامب، ربما "في الأسابيع القليلة المقبلة"، يمكن عندها "التوصل إلى اتفاق". وأضاف أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يعوّض إيران أولاً من الناحية الاقتصادية، على سبيل المثال من خلال توفير "خطوط ائتمان" أو إعادة إطلاق قطاعات اقتصادية معينة. وخلال التعليقات الخاصة للرئيس ترامب عندما كان إلى جانب ماكرون، أعرب عن استعداده للاجتماع بروحاني "إذا كانت الظروف ملائمة"، وشدد على أن إيران تحتاج بشدة إلى هذه المحادثات لأن العقوبات الأميركية أدت إلى تدهور وضعها الاقتصادي. فتح المؤتمر الصحافي الإيجابي المجال للتكهنات حول احتمال انعقاد قمة رئاسية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ابتداءً من منتصف سبتمبر، ولكن هذا التفاؤل كان سابقاً لأوانه، فبعد أقل من أربع وعشرين ساعة من انتهاء قمة مجموعة الدول السبع، تراجع المسؤولون الإيرانيون خطوة إلى الوراء، فنفى ظريف إمكانية عقد أي اجتماعات مع المسؤولين الأميركيين ما لم تعد واشنطن إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة"، في حين أعلن روحاني أن رفع العقوبات يشكل شرطاً مسبقاً للمفاوضات. بغض النظر عما حدث وراء الكواليس في طهران في الأسبوع الأخير، فقد اتضحت بعض الأمور حول الاستراتيجية الأخيرة للنظام وتداعياتها المحتملة على المحادثات المستقبلية: أولاً، تعمل إيران بشكل مطرد على فتح قنوات لنقل الرسائل إلى الرئيس ترامب عبر شركائه الدوليين الموثوقين، وأبرزهم ماكرون والرئيس الياباني شينزو آبي. وكما أشار ماكرون في قمة مجموعة الدول السبع، قد يشكل هؤلاء "الوسطاء" جزءاً من ائتلاف مفاوضين في المناقشات المستقبلية. تضع إيران وروحاني سقفاً عالياً لاستئناف المحادثات مع واشنطن، على الأقل في الوقت الحالي. ويقيناً، أظهرت طهران في الماضي أنها تستطيع إبداء مرونة بشأن مطالب كهذه إذا لزم الأمر. ومع ذلك ، فإن إعلان شروط مسبقة صارمة في البداية يمكن أن يساعد روحاني على تحقيق هدفين. على الجبهة المحلية، قد يهدئ ذلك بعض النقاد، بمن فيهم خامنئي، من خلال طمأنتهم بأن إيران لن تُقدم على خطوة أخرى محفوفة بالمخاطر دون تنازلات أميركية كبرى، وعلى الصعيد الدولي، فإن الشروط المسبقة القاسية قد تدفع الاتحاد الأوروبي وأطرافاً أخرى إلى منح إيران بعض التنازلات الاقتصادية على الأقل قبل بدء المحادثات. وفي الواقع، تلعب طهران بورقة التظلّم مع الأسرة الدولية مراراً وتكراراً منذ انسحاب ترامب من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، واضعةً نصب عينيها الهدف الرئيس المتمثل بتنفيذ "آلية دعم التبادل التجاري" (INSTEX) بشكل كامل، وهي "الوحدة الأوروبية ذات الغرض الخاص" التي تم تأسيسها في وقت سابق من هذا العام لتسهيل التجارة مع إيران. ثالثاً، تقوم إيران برفع التكاليف الافتراضية لسيناريو "عدم التوصل إلى اتفاق" من أجل الضغط على أوروبا لتسريع "آلية دعم التبادل التجاري" وتقديم تنازلات مماثلة، وكما أوضح عراقجي في 28 أغسطس، إذا لم تُلبَّ المطالب الإيرانية، فسيتطلب المزيد من الخطوات لـ"تقليص التزامات إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة".
وقد تخطى النظام بالفعل كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب التي يُسمح له بتخزينها بموجب الاتفاق النووي، ورَفَع مستوى تخصيبه إلى ما يتجاوز 3.67 في المئة، وحالياً يهدد النظام باتخاذ خطوة أخرى مماثلة في 6 سبتمبر، على الرغم من أن المسؤولين لم يحددوا بعد طبيعتها. وفي حين يمضي القادة الإيرانيون قدماً بهذه الاستراتيجية ويحاولون التكيف مع الصعوبات الاقتصادية المتنامية، يبرز سؤال أساسي: هل يؤمنون حقاً بأن الرئيس ترامب سيتنازل عن عقوبات كبرى في مجال الطاقة في عام الانتخابات، أم أنهم يقدّمون هذا المطلب المبالغ فيه لحث أوروبا أو أميركا على تقديم عدد أقل من التنازلات بشأن قضايا مثل "آلية دعم التبادل التجاري" فقط؟ قد تحدد الإجابة ما إذا كانت المحادثات الجديدة ممكنة، ناهيك عن كونها مثمرة.* عومير كرمي* «واشنطن إنستيوت»