قالت مصادر رفيعة في بغداد إن إقالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي ليست سهلة، مشيرة إلى أن الجدل حول وزارته يعني تحديداً محاولة تخليصه من ضغوط كبيرة ومحبطة أحياناً تمارسها كتل عراقية مقربة من طهران، وسط تصاعد اتجاهات الرأي العام المطالبة بتحرر العراق كلياً من القيود والرغبات الإيرانية في أزمة مضيق هرمز وما اتصل بها.ووسط محاولته دمج الميليشيات بالجيش وتقييدها، طلب عبدالمهدي قبل نحو أسبوعين أن يصمت رجل إيران القوي في بغداد المعروف بأبي مهدي المهندس، وذلك بعدما اشتدت حراجة التفجيرات والسجالات بين ميليشيات الحشد الشعبي وخصومها، لكن المهندس، وهو نائب رئيس الحشد، عاد قبل يومين لإطلاق تصريحات مهددة، معلناً بدء تشكيل قوة جوية خاصة بالميليشيات العراقية.
بعد ذلك ببضع ساعات، ووسط صمت حكومي أو هدوء جرى تفسيره بأشكال عدة، قال زعيم كتلة «سائرون»، الأكبر في البرلمان، إنه سيقول للعراق «وداعاً»، بعد هذا التطور، لكن بعد مرور عشرين دقيقة على كلامه توالت المصادر الحكومية لترفض أو تستهين بإعلان المهندس تأسيس سلاح للجو، رغم أن هذه التصريحات لم تمنع إطلاق جدل بشأن المستقبل السياسي لعبدالمهدي، إذ بدأ حديث جدي حول إمكانية إقالته.أما المصادر المقربة من الجناح السياسي المعتدل فأعربت عن اعتقادها أن كل تلميح لاستجواب عبدالمهدي أو سحب الثقة منه يقصد منه الضغط على إيران لتفهم أن من غير الممكن استمرار وكلائها في العراق في اختلاق أزمة تلو الأخرى لإعاقة الحكومة، وخصوصاً أن انتهاء زوبعة القوة الجوية التابعة للحشد أعقبه فوراً تحرك نواب مقربين من الميليشيات لاستصدار قرار نيابي بطرد القوات الأميركية من العراق، وهو مسعى فشل سابقاً، لكن يعود إلى الواجهة بين الحين والآخر.ويقول الجناح المعتدل إن عبدالمهدي ينتمي إليه فكرياً، لكنه يتنازل قليلاً أو كثيراً لجناح إيران في العراق، محاولاً احتواءه، مشيراً إلى ضرورة إطلاق حوار بين القوى العراقية لإعادة ترتيب تيار المعتدلين الذي كاد أن ينفرط عقده أخيراً، ومحاولة تخفيف الضغوط الإيرانية على حكومة عبدالمهدي.
واعترضت القوى العراقية على وجود صواريخ إيرانية مخبأة في مخازن الميليشيات العراقية، وخصوصاً أن ذلك بدأ يفتح جبهات خطيرة، لاسيما مع المواقف الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً، لكن عبدالمهدي اختار أن يدير الأزمة عبر ممثليه، وقطع مؤتمره الصحافي الأسبوعي المعتاد للمرة الثالثة على التوالي، وهو ما اعتبره البعض احتجاجاً على طهران التي نقضت عدداً من الاتفاقات معه، أبرزها تقييد ميليشياتها، وعدم تركها تخرب الحياد العراقي في الأزمة الدولية مع إيران.وتحاول كتلة الفتح، التي تمثل الميليشيات، الدفاع عن عبدالمهدي، وكسب أصوات كردية وسنية في هذا الإطار، في وقت يقول التيار المعتدل إنه قادر على حماية الحكومة بالضغط عليها للبقاء في الحياد، مراهناً على أن الجناح العراقي المتشدد نفسه يعيش تناقضات داخلية كثيرة، ويعجز عن بناء إجماع بشأن دعم إيران أو التزام الحياد، وخصوصاً أن كثيراً من ممثليه البارزين التزموا الصمت مثل رئيس الحكومة، تاركين شخصيات من طراز عمار الحكيم ومقتدى الصدر، ترسم ملامح الخلاف العراقي مع حراس الثوري الإيراني هذه الأيام.