«اللي اختشوا ماتوا»
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
إذا ابتليتم هي في الأصل إذا ابتليتم بالمعاصي فعليكم أن تستتروا بستر الله ولا تفضحوا أنفسكم، ورغم أننا نرددها بسهولة أو خفة فإنها عميقة، حياة كثر فيها مرتكبو الأخطاء والعيوب الذين رغم ذلك لا يستحون ولا يسترون عليها. انظر لـموظف أو موظفة نسبة إنتاجهما اليومية لا تزيد على خمس دقائق، ولا يستحون من التشدق بذلك أو حتى يرتشون ويفعلون ذلك على الملأ والعلن دون خجل لأن الذين اختشوا فعلا ماتوا واحترقوا في تلك الحادثة الشهيرة في عام 1889 في ذلك الحمام الشعبي للسيدات، والمختشون يزداد عددهم بشكل يومي حتى يصبح العموم والسائد هو أولئك الذين كشفوا عوراتهم للجميع وافتُضحوا، إلا أن كل ذلك لم يعد يهم عندما يسود العيب والتوحش وقلة الحياء. حتى في العمل كلما كان بعضهم قليلي الفهم والمعرفة في مجالات عملهم، لا يتوقفون عن التبجح والتعالي وكأن العالم قد أصيب بفقدان الذاكرة الجماعية أو بالغباء، وهي في مجملها متشابهة خاصة عندما يتصور بعضهم أن المستمع على درجة من الغباء ليصدق خرافاتهم وتحليلاتهم واستعراضاتهم المعرفية، ولكن أكثر ما هو لافت في هذه الأيام هو أن الذين اختشوا تمادوا في قلة الحياء. كان أهلنا يرددون "جليل حيا" وكان هذا الوصف كافيا لعزلة "الشخص في "الفريج" أو الحي أو كل المجتمع، أما اليوم فقليلو الحياء يتصدرون صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي ويتقدمون المدعوين لكل الحفلات والمناسبات، بل وصل ببعضهم من قلة حيائه أن يطلق على نفسه لقباً ودرجات علمية غير حقيقية ويستغلها للوصول إلى المناصب. وآخرون تمادوا في تصريحاتهم التي تمس عمق الإنسان في منطقتنا اليوم، وراحوا يمارسون ذاك التعالي على مشاعر العامة من الناس الذين يعرفون أصدقاءهم وأعداءهم معرفة حقيقية، ولا يستطيع أحد أن يمحو كل تلك المجازر والدماء والقتل، لنعلن اليوم الصفح نيابة عن كل البشر. بعضهم إما لم يعد يختشي أو ربما متصور أن باستطاعته "استعباط" كل الناس أو الكذب عليهم أو خداعهم.ربما علينا أن نعيد التذكير بأمثلتنا تلك التي هي جزء من تراثنا وثقافتنا العريقة التي لن يستطيع أحد أن يسرقها منا أو يغيرها لتتماشى مع أهوائهم أو مصالحهم الضيقة القصيرة المدى كما رؤيتهم، ضحلة كثقافة لم يكتسبوها رغم كل الجامعات التي تعلموا فيها ولم يستفيدوا من تجارب السابقين وكثير من الأمم. هم لا اختشوا ولا تستروا! * ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية.