أزمة بوريس جونسون الدستورية تشبه الأزمة الأميركية!
تشبه الأزمة السياسية البريطانية اليوم أزمة موازية في الولايات المتحدة: يتجاوز حاكم عدائي حدود القواعد الدستورية المسموح بها لتحقيق أهداف لا تحظى بتأييد واسع، ويدعمه الحزب الحاكم الذي يخاف على مستقبله الانتخابي بلا خجل.
يمكن اعتبار المشكلة الراهنة أزمة دستورية، ويعتبرها الكثيرون كذلك أصلاً! استعمل المتحدث باسم مجلس العموم عبارة "السخط الدستوري" لوصف الوضع القائم، ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، فقد أصبح هاشتاغ #stopthecoup (#أوقفوا_الانقلاب) من أكثر المواضيع تداولاً على تويتر في بريطانيا، أو يمكن اعتبار الوضع مجرّد "مغالطة برلمانية" بغيضة، لكن بغض النظر عن نهاية هذه الملحمة، مع "بريكست" أو من دونها، مع انتخابات أو من دونها، لا مفر من أن يؤدي إعلان رئيس الورزاء البريطاني غير المسبوق، يوم الأربعاء، تعليق عمل البرلمان طوال خمسة أسابيع إلى انهيار مصداقية البرلمان وإضعاف الديمقراطية في واحدة من أقدم ديمقراطيات العالم.يحاول فريق جونسون الاستخفاف بهذا القرار، لكن لا يمكن تجاهل حقيقة الوضع: اتخذ رئيس الوزراء هذا القرار، على أن يبدأ تنفيذه في 11 سبتمبر، لتجنب تداعيات التصويت البرلماني. عجزت رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي عن إقرار معاهدة "بريكست" عبر البرلمان، لأن مؤيدي هذه الخطة لم يستطيعوا مواجهة الوقائع المزعجة التي تبدو أسوأ بكثير من النعيم الذي وعدوا به، كذلك، يعجز جونسون على الأرجح عن إقرار معاهدة "بريكست" التي أرادتها ماي عبر البرلمان، ولم يحرز تقدماً بارزاً في المفاوضات على معاهدة جديدة.في الوقت نفسه، لن يدعم معظم أعضاء البرلمان خطة "بريكست بلا اتفاق"، مما يعني الانسحاب المفاجئ من الاتحاد الأوروبي وزعزعة استقرار التجارة والسفر وكل ما يربط بريطانيا بالعالم الخارجي. سبق أن صوّت مجلس العموم ضد "بريكست بلا اتفاق" في شهر مارس، وفي وقتٍ سابق من الأسبوع الماضي، اجتمع قادة أحزاب المعارضة، فضلاً عن عدد من المحافظين المتمردين، وطرحوا خطة تشريعية جديدة تهدف إلى تأخير "بريكست" لمنع الخروج من الاتحاد بلا اتفاق مجدداً.
لا يملك جونسون أغلبية برلمانية، حتى أنه لا يحظى بتأييد معظم الشعب، كي يفرض "بريكست بلا اتفاق"، لا يكاد جونسون يملك تفويضاً برلمانياً إذاً، نظراً إلى أغلبيته الضئيلة. على صعيد آخر، لا يتمتع جونسون بأي تفويض شعبي، إذ لم يتم اختياره عبر انتخابات عامة بل رشّحه 92 ألف عضو من حزب المحافظين. لكن رغم ضعف الدعم البرلماني والشعبي وغياب الشرعية الحقيقية، يظن جونسون أنه مضطر لتطبيق خطة "بريكست" بحلول المهلة النهائية في 31 أكتوبر لأنه تعهد بذلك خلال حملته، كما أن حزبه قد لا يصمد حتى نهاية هذا العقد ما لم يحقق هدفه. يمكن التوصل إلى حلول ديمقراطية لهذه المعضلة، منها إجراء استفتاء جديد، لكن لا يريد جونسون اللجوء إلى هذا الحل لأن معظم الاستطلاعات تثبت أن الرأي العام لن يدعم على الأرجح خطة "بريكست" للمرة الثانية، كذلك، يمكن اعتبار الانتخابات جزءاً من الحل، وهي واردة فعلاً: قد يؤدي إعلان يوم الأربعاء إلى حجب الثقة عن الحكومة خلال الأيام القليلة التي سينعقد خلالها البرلمان في الأسبوع المقبل قبل تعليق عمله، ومن المتوقع أن يؤيد بعض المحافظين هذا التصويت الآن على مضض.لكن ستكون أي انتخابات في هذه الظروف، غداة تعليق البرلمان الشائك يوم الأربعاء، مقاربة مريعة. ألمح أحد مستشاري جونسون إلى احتمال أن يكون شعار الحملة "الشعب في مواجهة السياسيين"، أو بعبارة أخرى "الشعب في مواجهة البرلمان". على صعيد آخر، يظن الكثيرون على ما يبدو أن جونسون سيتمكن من فرض "بريكست" بسبب غياب من يعارض تحركاته، في حين تستمر الحملة الانتخابية ويمتنع البرلمان عن الانعقاد. في هذه الحالة، لا أهمية لهوية الفائز! ولا شك أن هذا النوع من الحملات والشعارات، وسط الفوضى السائدة، سيُعمّق الانقسامات الحادة في البلد، ويقنع جميع الخاسرين بأنهم تعرضوا للخداع، ويمنع استمرار الحكومة المقبلة. إذا فاز المحافظون بعد حملة مماثلة، فمن المتوقع أن تبذل المعارضة الثائرة قصارى جهدها لإعاقة حكمهم، بالوسائل الدستورية وغير الدستورية. وإذا فاز أعضاء "حزب العمال"، فقد يميلون إلى استعمال عدد من الحِيَل نفسها، منها تعليق البرلمان، لتطبيق أجندتهم التي لا تحظى بأي تأييد. وطالما يبقى عمل البرلمان معلّقاً، لا يمكن اتخاذ أي نوع من القرارات، ولا مفر من أن تدوم التداعيات الناشئة. قال اللورد جوناثان ماركس، باحث دستوري من حزب "الديمقراطيين الليبراليين": "صحيح أننا لا يقتل بعضنا بعضا، لكنّ الوضع سيئ بقدر القرن السابع عشر على مستويات عدة". تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا خاضت حرباً أهلية خلال القرن السابع عشر.لطالما تجنبنا هذا النوع من المقارنات، لكن تشبه الأزمة السياسية البريطانية اليوم أزمة موازية في الولايات المتحدة: يتجاوز حاكم عدائي حدود القواعد الدستورية المسموح بها لتحقيق أهداف لا تحظى بتأييد واسع، ويدعمه الحزب الحاكم الذي يخاف على مستقبله الانتخابي بلا خجل. في الوقت نفسه، تسعى المعارضة المنقسمة إلى إعاقة عمله لكنها لا تملك زعيماً له شعبية واسعة، ويستعمل حزب المحافظين شعارات شعبوية تُضعِف المؤسسات الوطنية، وبدأ التخلي عن العادات القديمة بسرعة هائلة، مما ينذر بفراغ بارز في المرحلة المرتقبة.باختصار، يعكس الوضع القائم أكبر المفارقات على الإطلاق! قيل إن خطة "بريكست" كانت تهدف إلى تجديد "سيادة" البرلمان البريطاني، لكنها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف مصداقيته ومصداقية السياسيين البريطانيين لفترة طويلة، مثلما حصل مع أنسبائهم الأميركيين تماماً!* آن أبلبوم * «واشنطن بوست»