مرافعة : الحسابات المسيئة لا الوهمية!
لا يمكن فهم سعي الحكومة إلى إصدار قانون لمواجهة الحسابات الوهمية، ولو بمرسوم ضرورة، إلا عزمها بكل الوسائل التي تملكها على القضاء على تلك الحسابات الوهمية.وقبل النظر إلى اوجه المعالجة الحكومية لتلك القضية يتعين النظر الى ان فكرة ضبط شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت هي من المسائل المعقدة على الحكومات ككل، بوصفها وسائل متطورة ومتجددة في تطبيقها، وتحرص كبرى الشركات المتخصصة على إحداث الجديد منها، وهو الأمر الذي يجعل من فكرة الضبط التقني فكرة متلازمة بتطور تلك الوسائل، خصوصا ان تلك الشركات تحرص على استمرار فكرة بقاء العالم كقرية صغيرة.والمسألة التي يتعين الالتفات إليها أيضا هي أن تشخيص المشاكل يعد أهم الطرق لبدء العلاج، وهو ما يتعين الوقوف عليه أولاً قبل إطلاق الحلول التي نعتقد بسلامتها، ومن ثم فإنه من الضروري النظر إلى جملة من المسائل، أولها أننا نعيش في عالم افتراضي لا نملكه وليست لنا سلطة القرار عليه، ونحن مجموعة من المشتركين في البرامج الموجودة بذلك العالم الذي أتاح لنا التواصل، وعرض المحتويات النصية والصوتية والصور.
الأمر الثاني هو أن تلك الوسائل وضعت جملة من القواعد التي اعتمدتها لالتزام جميع المشتركين بتلك البرامج، وفي حالة ثبوت انتهاك اي مشترك لأي من تلك القواعد يجوز لها ان تتخذ بحقه مجموعة من الاجراءات، منها الوقف المؤقت او الحجب النهائي.بينما الأمر الثالث في أن ذلك العالم الافتراضي والشركات القائمة على العمل من خلاله تسمح للمشتركين بعدم التعريف بهويتهم الشخصية، واستخدام أسماء مستعارة او غير حقيقية للتعبير عن آرائهم، وطرح المواضيع التي يعتقدون فيها، شريطة ألا يتجاوزوا الخطوط التي وضعتها كقواعد عامة تطبق على كل الحسابات. وما تعانيه الحكومة أو السادة الوزراء المسؤولون في الدولة مما تبثه تلك الحسابات الوهمية من معلومات يعتري بعضها الكذب والتضليل ونشر الاشاعات هو ما تعانيه العديد من الحكومات من استغلال اصحاب الحسابات الوهمية للسياسة التي تعتمدها الشركات المالكة لبرامج التواصل الاجتماعي، ومنها تويتر وسناب شات وفيسبوك وغيرها من البرامج.كما أن ما يطرح من إساءات وإشاعات لا يقتصر صدوره على الحسابات الوهمية، بل يشمل أصحاب حسابات معروفة، وأصحاب بعضها مقيمون خارج البلاد ولم تنفع معهم الأحكام الجنائية الغيابية الصادرة بحقهم، بل إن صدورها بحقهم رفعت من عزيمتهم لإصدار المزيد من الاساءات والاشاعات، ومن ثم فإن المشكلة لا تكمن في الحسابات الوهمية فقط، بل في عدم قدرة الحكومة الفعلية على ضبط اصحاب تلك الحسابات وإيداعهم السجن تنفيذا للأحكام القضائية المتوقع صدورها بحقهم، ولذلك فإن التركيز على الحسابات الوهمية وحدها لا يجدي نفعا، وإنما يتعين التركيز على فكرة إمكانية المساءلة القانونية لأصحاب الحسابات المسيئة بشكل عام، وذلك كله تحت إشراف القضاء لا الحكومة وحدها.وتحقيق تلك المساءلة القانونية لأصحاب الحسابات المسيئة يتعين التفكير جدياً في مسألتين، وهما من اختصاص هيئة الاتصالات، وتتمثلان في دراسة الهيئة للقواعد التي تضعها شركات برامج التواصل كتويتر وسناب شات والاجتماع بهما، وعرض الحالات المسيئة المستخدمة من اصحاب الحسابات الوهمية والمعروفة، مع الاشارة الى أن فكرة التعاون على وضع قواعد جديدة لتلك الشبكات مرتبطة بفكرة المحاكمة العادلة التي يقررها الدستور وقانوني الاجراءات وهيئة الاتصالات.أما الفكرة الثانية فهي قيام الهيئة بتشكيل فريق بالتعاون مع إدارة المباحث الالكترونية بوزارة الداخلية، للنظر في وسائل مكافحة الجرائم الإلكترونية بصورها المتعددة والنظر إلى تجارب الدول التي تملك الأجهزة الإلكترونية والتقنية التي تسمح بتعقب اصحاب الحسابات وحجبها بإشراف النيابة العامة بعد تقديم شكوى ضد اصحاب الحسابات المسيئة.وحجب الحسابات المسيئة وتوفير الأجهزة التي تسمح بتعقبها مسائل تجد نصوصها في أحكام المادتين 47 و53 من قانون هيئة الاتصالات رقم 37/2014، وتعديلاته، وهي كفيلة بمساءلة أصحاب الحسابات الوهمية، وضبطها دون حاجة الى تشريعات جديدة لا فائدة منها، وقد تسمح بزيادة الفوضى التشريعية التي تعيشها القضايا الالكترونية في المحاكم بسبب وجود اربعة تشريعات الكترونية، فضلاً عن قانون الجزاء.