الحسين... فوزٌ عظيمٌ!
في ذكرى الإمام الحسين، عليه السلام، نردد عبارة يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزاً عظيماً، ولعل هذا التمني يعكس الارتباط العاطفي الوثيق بما يحمله سبط النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، من مبادئ وخصال تستحق الانتماء إليها والاقتداء بها، ولكن يبقى الأهم مدى الإخلاص والنية الحقيقية في ترجمة ما نادى به الحسين، عليه السلام، وجسدّه في ملحمة كربلاء بما في ذلك قمة التضحية والعطاء بأهله وأصحابه، انتهاءً بدمه الشريف وروحه الطاهرة مع قلة العدد وخذلان الناصر.فالمفارقة في نهضة الحسين، عليه السلام، تكمن في تطبيق المبدأ لا التغني به كشعار، فثورته كانت صرخة في وجه الظلم والاستبداد، وقتله كان ثمناً لعدم الرضوخ السياسي ومبايعة من لا يملك مقومات الحكم الصالح ولا يستحق أن يتزعم مقاليد قيادة الأمة ليفسد فيها ويطغى ويهدد ثرواتها وخيراتها ويستصغر شعبها وكرامتها، والأهم من ذلك أن يمارس كل هذا الدور باسم الدين، وما يحتويه من قيم ومسؤوليات لها قدسيتها وأهميتها ليس للمسلمين حصراً ولكن كنموذج يفترض أن يتباهى به أنصار هذا الدين بين بقية الأمم والنحل.
والأمثلة على فساد الأنظمة وظلمها لا حصر لها وممتدة على مدى العصور والأزمنة، ولعل الموقف منها يعكس الرفض والاشمئزاز، وقد تكون شعارات الحسين، عليه السلام، جلية حولها، ولكن تطبيق مبادئ الحسين وترجمة مقولة يا ليتنا كنا معك بعيدة جداً، ولا يملك الكثير الجرأة المطلوبة للعمل بها، فما بالك بالأغلبية الساحقة المتزلفة والمطبلة للفساد ورموزه وهي تترنم بعبارة يا ليتنا كنا معكم؟!لا يمكن أن ننكر بأن جمهور المسلمين وربما غيرهم الكثير يحبون الحسين، عليه السلام، ويؤمنون بالقيم التي نادى بها، ويفتخرون بما قدمه من تضحية قل وجودها في التاريخ، فهو الإسلام الناطق وهو الإيمان المتحرك وهو القدوة في إباء الضيم ومقارعة الظلم، ولكن حب الحسين، عليه السلام، يأتي على شكل دوائر متعددة الأبعاد والمسافات، فهناك الحب النابع من كونه حفيد المصطفى، صلى الله عليه وآله، وسيد شباب أهل الجنة، وهناك الحب المنبثق من الإعجاب بشخصيته وشجاعته، وهناك الحب الذي يحرق القلوب لوعة من مصابه الأليم، وما شهدته صحراء كربلاء من بشاعة وحقد لم يسلم منه الطفل الصغير، ولا الهاشميات من أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، ولا من التنكيل بجسد الحسين، عليه السلام، وسحقه بحوافر الخيل، ولكن يبقى الحب الحقيقي للحسين، عليه السلام، كالثائر على الظلم والمتفاني في سبيل الرسالة، والشجاع في ميدان المواجهة، والشهيد في سبيل الله، وعبارة يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً هي الانتماء للدائرة الخاصة والقريبة من حقيقة الحسين عليه السلام، ولو كان مرددو هذه الأمنية والمؤمنون بهذا الدعاء بالعدد الذي نسمعه على مر التاريخ فبالتأكيد لم تكن حال الأمة اليوم بهذا المستوى المخزي من التردي والخنوع والاستسلام الفاضح للطغيان، فسلام عليك يا أبا عبدالله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، وأناخت برحلك، ما بقي الليل والنهار.