● دلفت إلى عالم الأدب عبر القصة القصيرة "هيت لك"، ثم انتقلت إلى الرواية، ماذا عن تلك البداية؟
- بالفعل كان دخولي إلى عالم الكتابة بشكل عام عن طريق القصة القصيرة، وقد بدأت كتابتها في مرحلة مبكرة جدا من حياتي، وطبعا كانت أعمالا بسيطة تعكس محاولات التعرف عن العالم عبر صفحات الكتب وسطور الكتابة، ورغم أنني جربت كتابة الشعر، فإنني لم أجد به تلك الرحابة التي وجدتها في القصة القصيرة والقدرة على التعبير عن مختلف المشاعر والأفكار، وتجسيد مفارقات الواقع، وربما كنت محظوظا بأن لاقت بعض قصصي القصيرة تقديرا مبكرا شجعني على الاستمرار، فقد فازت بعض أعمالي القصصية في المرحلة الجامعية بجوائز أدبية على مستوى جامعة القاهرة التي كنت أدرس الإعلام فيها، كما نشرت بعض القصص في مجلات نادي القصة والثقافة الجديدة وأخبار الأدب وغيرها. والحقيقة أن أول مجموعة قصصية صدرت لي كانت بعنوان "عورة مكشوفة"، وكانت تلك المجموعة تجسيدا لإصراري على الاحتفاظ بالقصص القصيرة التي كتبتها في المرحلة الجامعية بكل ظزاجتها وعفويتها، بل وسذاجتها أحيانا، لكن تلك المجموعة كانت مظلومة للغاية فيما يتعلق بالنشر والترويج، وقد استفدت من تلك الخبرات عندما أصدرت مجموعتي القصصية الثانية "هيت لك"، فحظيت ببعض الانتشار، ربما لتفرّدها باحتوائها من البداية إلى النهاية على مجموعة قصص قصيرة جدا، وحققت المجموعة نجاحا أفضل من سابقتها، وكانت علامة بالنسبة لي على بعض الرسوخ في عالم الكتابة، الأمر الذي دفعني لاحقا إلى التطلع إلى آفاق أكثر رحابة من القصة القصيرة، وأقصد هنا عالم الرواية بكل سحرها وتعقيدها.● الانتقال إلى الرواية، هل احتاج منك إلى وقفة تأمل، أم جاء بسهولة؟
- أعتقد أن الرواية كانت هدفي منذ البداية، لكنني ظللت لفترة طويلة أتهيب الانتقال إلى عالم الرواية، خاصة أنني تربيت على روايات لعمالقة في الحبكة وصناعة الشخصيات، كتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهما، وربما كانت القصة القصيرة نوعا من التدريب والتجريب الذي يمهد الطريق، وينمي القدرة على الكتابة الماراثونية في الرواية، لذلك لم يكن التحول صعبا أو شاقا، بل كل ما تطلبه الأمر بالنسبة لي كان توافر الوقت والتركيز اللازم للإقدام على كتابة الرواية الأولى، وللمفارقة فقد كانت فكرتها بداخلي منذ سنوات الدراسة الجامعية، واختزنها اللاوعي وظل ينمّيها، حتى إذا ما وصلت إلى قرار البحث والتخطيط للكتابة، لم تستغرق الكتابة أكثر من ثلاثة أشهر حتى خرجت المسودة الأولى للعمل.● في روايتك "رواق البغدادية"، هل كانت تهيمن عليك فكرة البحث التاريخي؟
- رواية "رواق البغدادية" هي أولى رواياتي، وكما أوضحت سلفا، فقد بدأت التفكير فيها قبل سنوات، ولا يمكن اعتبار الرواية عملا تاريخيا، فهي عمل أدبي بالأساس، وليست تأريخا، بل يمكن اعتبارها رواية مراوغة، تسعى إلى إسقاط التاريخ على الواقع، وفهم الماضي من خلال الحاضر، فالرواية تجري أحداثها في مسارين متوازيين، تاريخي ومعاصر، وينمو الصراع الدرامي بهما بصورة متطابقة، فيشعر القارئ بأن التاريخ والأحداث البعيدة التي جرت قبل أكثر من 700 سنة لا تزال حاضرة في عالمنا المعاصر، وقد حرصت على بناء الرواية بقدر عالٍ من التخييل، بحيث يتماهى القارئ مع الأحداث والشخصيات، فلا يستطيع الفصل بين ما حدث فعليا في التاريخ، وبين ما هو خيالي من صنع الكاتب، وقد حاولت الحفاظ على الإطار العام للأحداث، لكن الرواية تضم في أحداثها شخصيات واقعية، تفصل بينها سنوات طويلة، وأخرى أدخلتها في نسيج الأحداث لعوامل فنية، لكن الجانب الأعظم من الشخصيات والأحداث، راعيت فيه احترام التاريخ، ولكن دون التقيد بحرفية ما ورد في المراجع التاريخية، وأعتقد أن الرواية حققت هدفها، ونجحت في توصيل الرسالة بأنها عمل فني يستلهم التاريخ، وأن التاريخ ليس مجرد صفحات من الماضي وانتهت، بل إن الماضي يمكن أن يبقى حاضرا بداخلنا ولا يموت، ولم تقدم الرواية نهاية آمنة، على العكس قدمت نهاية مفتوحة على احتمالات عدة، خاصة في مسارها المعاصر، وهي نهاية تعكس حالة عدم اليقين والقلق التي نعيشها في عالمنا المعاصر.● حدثنا عن كواليس كتابتك للرواية، ثم شعورك باستقبال النجاحات التي لاقتها.
- أنا من نوعية الروائيين الذين يستغرقون وقتا في البحث والتخطيط لأي عمل يتصدون لكتابته، ولا أميل إلى الكتابة العفوية أو فكرة أن العمل يكتب نفسه، ربما كان ذلك الأسلوب أكثر ملاءمة للومضة القصصية أو حتى للقصة القصيرة أحيانا، لكن الرواية مسألة أخرى، فهي بناء عالم متكامل، لابد أن يعتمد على بنيان وأسس درامية قوية، ورسم دقيق للشخصيات وتطورها ودورها في إذكاء الصراع، وبدون تخطيط محكم ورؤية واعية لكل جوانب العمل، يمكن أن تتهاوى الرواية في منتصف الطريق، وأسوأ ما قد يواجهه الروائي هو أن يتوقف في منتصف الطريق، أو أن يخرج عمله مفككا أو به هنات فنية يمكن للقارئ المدقق، فضلا عن النقاد اكتشافها، وبالتالي فإنني أستغرق وقتا طويلا في التحضير لأي رواية أكتبها، وأقوم ببحث دقيق، لا يقتصر على القراءة البسيطة، بل قد يمتد إلى العودة للأعمال الفنية للفترة التي أكتب عنها الأغاني والأفلام والصحف والقضايا التي كانت تشغل الناس، بل وحتى الأزياء والأذواق التي كانت مسيطرة، وأحاول ألا أهمل أي تفاصيل مهما كانت بسيطة، حتى وإن لم أستعن بها في العمل، لكنها على الأقل تكون حاضرة بداخلي، فأنا أصبح جزءا خفيا من حياة شخصياتي، وأحيانا أجد نفسي متورطا في انفعالاتها، وقد أعتذر لها لأنني كنت قاسيا أحيانا في تقديمها، وقد حدث ذلك معي على سبيل المثال في شخصية بيبرس الجاشنكير في رواية "رواق البغدادية".أما مرحلة الكتابة، فهي بالنسبة لي متعة خالصة، فأجد لذة لا توصف في تحويل كل الأفكار التي سكنتني واستغرقتني في بحثها إلى كلمات وسطور، وبعد إنهاء المسودة الأولى أنفصل عن العمل لفترة ثم أعود لتنقيحه، فإذا وصلت لما أقتنع به أضع نهاية لعلاقتي بالرواية، وإلا فإنها لن تخرج إلى النور أبدا.رواية جديدة
● ماذا عن مشروعاتك الأدبية القادمة؟
- لديّ مشروع لرواية جديدة أسعى فيه إلى اختبار مساحات جديدة في الكتابة الإبداعية، ربما تأخذني لمرافئ جديدة، ولا تقتصر على الكتابة الروائية التقليدية.تقديرات وجوائز
لاقت أعمال السعيد تقديرا لافتا وحازت جوائز، ويعبّر عن سعادته بهذا التقدير قائلا: كنت محظوظا، لأن الروايتين اللتين أنتجتهما إلى الآن لقيتا تقديرا كبيرا، سواء من خلال الجوائز، أو المستوى النقدي، فقد فازت روايتي الأولى "رواق البغدادية" بالمركز الأول لجائزة الشارقة للإبداع العربي، ونشرت في الإمارات، ثم أعيدت طباعتها في مصر أخيرا، كما فازت روايتي الثانية "آرنكا" بالمركز الأول لجائزة إحسان عبدالقدوس لعام 2018، وأعتقد أن تلك الحفاوة تمثّل دافعا لي على المواصلة، رغم أعباء العمل الأكاديمي والصحافي، التي تجور كثيرا على المساحة المتاحة للكتابة الأدبية.