«الحد الأدنى»... معيار أداء خدمات الدولة ومشاريعها!
• تشغيل المدارس ليس إنجازاً والانتقال إلى «الشدادية» لا يعفي من التحديات
• طرق الكويت تبحث عن «الخلطة» ومشاريع الإسكان أقصى طموحاتها التسليم
القبول بالحد الأدنى بات واقعاً في الكويت عند النظر إلى المشاريع أو الخدمات التي تقدمها الدولة، إذ أصبح الحديث عن تشغيل المدارس مثلاً أهم من جودة التعليم.
المتتبع لمعظم التصريحات والسياسات الحكومية، فضلاً عن البيانات الرسمية لمجلس الوزراء في السنوات القليلة الماضية، يجد أنها تصارع لتحقيق "الحد الأدنى" مما يفترض تحقيقه على أرض الواقع، لاسيما في الخدمات والمشاريع الخاصة بالدولة.فبات من المألوف، مثلاً، أن تستنفر وزارة التربية كامل طاقتها في سبيل بدء العام الدراسي دون مشاكل خدماتية تتعلق بجاهزية المدارس من التكييف أو النظافة أو غيرهما من البديهيات، مع إهمال متراكم لجودة التعليم الأساسي الذي تحتل الكويت فيه الترتيب 104 عالمياًـ حسب تقرير التنافسية العالمية لعام 2018، أو أن تعتبر أكبر مؤسسة للتعليم العالي، وهي جامعة الكويت، عمليات الانتقال الجزئي لمبناها الجديد في "الشدادية" إنجازاً كبيراً، وهي التي لا تبذل أي جهد مع غيرها من المؤسسات، في سبيل تصحيح انحراف مخرجاتها مع احتياجات سوق العمل الذي يضغط على مستقبل الكويت خلال السنوات المقبلة بنحو 400 ألف خريج جديد، ما يتجاوز بـ 60 ألف شخص إجمالي العاملين الكويتيين في القطاع العام حالياً.
أمطار وشوارع
ولا تقتصر أزمة محاولة بلوغ "الحد الأدنى" بالطبع على المؤسسات التعليمية، فهي تمتد إلى معظم المؤسسات الأخرى، فمجلس الوزراء هذا الأسبوع طالب وزارة الأشغال باتخاذ الإجراءات الوقائية لتلافي حوادث الأمطار والسيول مستقبلاً، مع أن موسم الأمطار على مقربة شهر من الآن، ورغم أن آثار أمطار الموسم الماضي لا تزال ماثلة على شوارع الكويت وخطوطها الرئيسية، فضلاً عن مخاطر السيول البيئية على سكان العديد من المناطق جنوب البلاد، بات من المألوف في الكويت استخدام الطرق التي شوهتها الأمطار، في حين يستهدف أكبر الطموحات الرسمية معرفة ما يسمى بـ "الخلطة" المناسبة لسفلتة الشوارع في مشهد أقرب إلى الكوميديا من كونه حلاً لمشكلة فنية.مدن بلا عمق
والحديث عن الشوارع يجر إلى المدن الجديدة ومشكلاتها على القضية الإسكانية، فأكبر أهداف الدولة اليوم هو "توزيع" القسائم في مختلف المناطق والمدن الجديدة على مستحقيها، وهو إجراء بديهي ولا يتجاوز "الحد الأدنى"، الذي بات وحده هدفاً للسياسات الحكومية، فلا أحد يتطلع لمدن إسكانية جديدة في العمق لا الشكل، كأن تكون لدينا مدينة بيئية بطاقة متجددة أو مدينة اقتصادية سكانها من العاملين في قطاعاتها، ولا في خلق نموذج مختلف للسكن يتجاوز عقلية التوسع الأفقي إلى طرح خيارات تنافسية لطالبي السكن، خصوصاً الحديثيين منهم، حتى الحد الأدنى في تقديم الخدمة الاسكانية بات أمراً صعب المنال، فلا يوجد مشروع إسكاني في الكويت حاليا إلا ويعاني التأخير أو سوء التنفيذ، أو كلاهما معاً، وكل الحديث عن وجود حل للقضية الإسكانية لا قيمة له أمام وجود أكثر من 95 ألف طلب إسكاني قائم بخلاف أن نصف هذا العدد تقريباً حصلوا على "تخصيص" ورقي دون تسلم فعلي.مستشفيات وعلاج بالخارج
حتى المشاريع القائمة باتت تدار بعقلية "الحد الأدنى"، فمستشفى جابر الذي تأخر تسلمه عن موعده التعاقدي 3 سنوات بكلفة 304 ملايين دينار لا يقدم أكثر من 15 في المئة من طاقته التشغيلية المفترضة، أما مدينة الجهراء الطبية التي نفذها الديوان الأميري بكلفة 364 مليون دينار فوزارة الصحة لا تزال تدرس عروضاً من مؤسسات طبية عالمية لإدارتها وتشغيلها، رغم مرور أكثر من عام على الافتتاح الرسمي للمدينة. وهذان المشروعان مع مشاريع التوسعة الجديدة في القطاع الصحي كلها لا تستهدف إجراء تصحيح في هيكل الخدمات الطبية بما يضمن التخلي عن مشاريع العلاج بالخارج، إلى جانب مشروع "عافية" بقيمة تتجاوز لعامين 300 مليون دينار، الذي يقدم تأميناً صحياً للمتقاعدين في مستشفيات القطاع الخاص في دولة أصلاً تقدم الخدمات الطبية مجاناً لمواطنيها، وهو أمر لا يمكن فهمه إلا أنه تنفيع للشركات أو عجز لقطاع الصحة العامة أو كلاهما معاً.رياضة وطيران
الحد الأدنى يصل إلى مستويات عادية ولا تحتاج ضخامة من العمل والإنجاز أو الإبداع، ففي الرياضة مثلاً نجد اقتصار الاهتمام على منتخب كرة القدم في آمال تجاوز مجموعته للتأهل- مجرد التأهل- لبطولة كأس آسيا المقبلة في الصين 2023، في حين كان منتخب الكويت في سابق العهد عملاقاً آسيوياً. أما رياضات الكويت الأخرى فنتائجها على الأقل القارية مبهرة. وعلى صعيد قطاع الطيران نجد أن أقصى الطموح يتمثل في تشغيل مبنى للركاب في مطار الكويت مع انتظام مواعيد رحلات الخطوط الكويتية، وهو أمر بديهي ويفترض أن يكون الهم في كيفية ربط الكويت مع العالم ضمن مشروع شركة طيران ومطار جديد يجري بناؤه مع خطط لجذب المستثمرين والسياح والركاب إلى البلاد كمشروع دولة يدر للبلاد منافع تجارية.الحديث عن واقع "الحد الأدنى" ليست تشاؤماً ولا مبالغة في الوصف، بل واقع جدي لدولة مثل الكويت، والمؤسف أن الحدود الدنيا في الخدمات تأتي مع ميزانية سنوية متضخمة لا تستطيع الإدارة المالية للدولة ضبطها مهما حاولت أو ادعت، فالحسابات الختامية تشير إلى انفلات الصرف والتعامل مع الخدمات يبين تراجعها، والخوف أن يأتي زمن يكون فيه "الحد الأدنى" هو معيار الأداء والحياة رغم كل مقومات النجاح خصوصاً المالية.
مشاريع «الصحة» لا تضمن التخلي عن العلاج بالخارج... و«عافية» يؤمن أشخاصاً علاجهم أصلاً مجاني!
في الرياضة أكبر الطموح التأهل لكأس آسيا المقبلة بالصين 2023... وفي «الطيران» انتظام مواعيد الرحلات
في الرياضة أكبر الطموح التأهل لكأس آسيا المقبلة بالصين 2023... وفي «الطيران» انتظام مواعيد الرحلات