بعد عدة أشهر من المفاوضات التي جرت خلف أبواب مغلقة في العاصمة القطرية الدوحة تبدو الولايات المتحدة أكثر قرباً من تحقيق اتفاق مع حركة طالبان قد يفضي الى نهاية حرب واشنطن المستمرة منذ 18 عاماً في أفغانستان. ويقال إن هذه الاتفاقية سوف تحدد جدولاً زمنياً مشروطاً لسحب القوات الأميركية من أفغانستان في مقابل التزام حركة طالبان بقمع الجماعات الإرهابية وبدء محادثات سلام مع جهات أفغانية معنية. وهذا الاتفاق مثير للجدل، وهو مثار شد وجذب بين مختلف الأطراف، حيث يرى أنصاره أنه أفضل كثيراً من الوضع القائم– مأزق القتال الدموي– وخطوة ضرورية أولى نحو أي اتفاق بين أطراف النزاع من أجل إنهاء الحرب، ويشعر نقاده بالقلق من أن هذا الاتفاق يعني التخلي عن حلفاء واشنطن من الأفغان، ويطرح ثقة ساذجة في جماعة متطرفة، كما يوفر غطاء لانسحاب قوات عسكرية يريده الرئيس ترامب بغض النظر عن كونه منطقياً سواء من الوجهة الدبلوماسية أو العسكرية.
وعلى الرغم من ذلك لن تتمكن اتفاقية الولايات المتحدة– طالبان في نهاية المطاف من تقرير مستقبل أفغانستان، ثم إن المحادثات مع حركة طالبان والحكومة الأفغانية والأحزاب المحلية الأخرى أكثر أهمية، ومن المتوقع أن تبدأ تلك المحادثات بعد وقت قريب من الإعلان عن اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان. وهكذا فإن التنازلات الأكثر حيوية التي استخلصها رئيس الوفد الأميركي المفاوض المبعوث الخاص زالماي خليل زاد لا تعني وعداً من جانب بعدم دعم الإرهاب بل موافقة حركة طالبان على التفاوض مع جهات أفغانية أخرى كانت رفضته طوال سنوات إلا بعد وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من ذلك البلد. وإذا كان خليل زاد أجرى مفاوضات حول جدول زمني للانسحاب فإن المغادرة الفعلية للقوات الأميركية سوف تتوقف على مواصلة حركة طالبان لتلك المفاوضات بنية حسنة.
إمكانية استقرار أفغانستان
وإذا نجحت أي محادثات بعد اتفاق الولايات المتحدة– طالبان فإن الاستقرار يصبح ممكناً في أفغانستان أما إذا فشلت فقد تكون حصيلة هذا الاتفاق الأولي من دون أي قيمة، ويمكن القول إن المرحلة الأكثر أهمية في هذه العملية السلمية قد بدأت الآن.وتتمثل المهمة الأولية في المحادثات بتحديد فترة انتقالية تضع نهاية للحرب وتدفع حركة طالبان نحو النظام السياسي في أفغانستان، وهذا يتطلب بصورة حتمية من الأحزاب الأفغانية معالجة ثلاث قضايا منذ البداية وهي: الانتخابات الرئاسية والآلية المحددة لضم حركة طالبان وتحقيق وقف لإطلاق النار في البلاد.وقد تم تحديد موعد للانتخابات الرئاسية في 28 من الشهر الجاري، ولكن الأفغان يختلفون حول ضرورة القيام بها، كما أن الرئيس الأفغاني أشرف غني يريد إجراء هذه الانتخابات كي يحصل على تفويض جديد من أجل إجراء المفاوضات. وترفض حركة طالبان تلك الانتخابات التي تعتبرها حصيلة غير شرعية «لاحتلال» أفغانستان بعد عام 2001.ويأمل الكثير من القادة الأفغان وخاصة الرئيس السابق حامد قرضاي إلغاء أو تأجيل تلك الانتخابات لأنهم يعتبرون أن السلام يشكل أولوية أكثر أهمية ويخشون من حدوث تزوير وأعمال عنف على نطاق واسع خلالها. ومع اقتراب موعد الانتخابات تصبح فكرة الإلغاء غير واقعية، ولكن الأحزاب قد تجادل في هذا الصدد خلال الأيام الأولى للمحادثات. وسواء تقدمت الانتخابات أم لا فإن الأفغان في حاجة الى التفاوض حول عملية تفضي الى دخول طالبان في نطاق السياسة الأفغانية. ويريد الرئيس أشرف غني أن تشرف الحكومة الحالية على عملية انتقال حركة طالبان الى معترك السياسة المحلية فيما تريد طالبان والكثير من منافسي الرئيس الآخرين تشكيل حكومة مؤقتة جديدة. وعلى أي حال سيتعين على القادة الأفغان تحديد المراكز والمناصب المتاحة لممثلي حركة طالبان والاتفاق على المهام الأساسية للحكومة المؤقتة ومنها على سبيل المثال مراجعة الدستور الأفغاني ودمج المقاتلين في برنامج محدد في المجتمع المحلي واصلاح قوى الأمن. وأخيراً يتعين على القادة الأفغان الموافقة أيضاً على موعد انتهاء الفترة الانتقالية.تحديد المستقبل
وبعيداً عن هذه القضايا الفورية والمباشرة يتعين على القادة الأفغان مناقشة مستقبل البلاد في الأجل الطويل والشروع في اعادة الاعمار بعد حوالي أربعة عقود من الحرب الأهلية، وهذه الأسئلة قد تحتاج الى سنين من أجل حلها بصورة تامة ولكن العثور على تحول مبكر سينطوي على أهمية كبرى لنجاح العملية السلمية. وربما كان السؤال الأساسي يتمحور حول شكل الحكومة في أفغانستان، وكل الأطراف التي لا تؤيد طالبان تتبنى النظام الديمقراطي لما بعد عام 2001 بغض النظر عن سلبياته. وعلى الرغم من أن قادة طالبان نادراً ما يطالبون بعودة إمارتهم خلال الفترة من 1996 الى 2001 حين حظرت الحركة الانتخابات وفرضت أحكام الشريعة الاسلامية فإنهم يرفضون شرعية نظام ما بعد 2001 ويصرون على استبداله بنظام ديني، واذا قررت الحركة تقديم تنازلات قد تقترح العمل بنظام يشبه النظام في إيران.حقوق المرأة الأفغانية
وفي ضوء هذا التباين حول دور وترجمة الديانة سيحتاج المفاوضون الى معالجة حقوق المواطنين– وخاصة المرأة- التي منعت من العمل أو الذهاب الى المدارس خلال آخر فترة سيطرت طالبان فيها على الحكم، وتصر مجموعات النساء في أفغانستان على ضرورة عدم التمسك بقانون طالبان، ويقول معظم القادة الأفغان إنهم سيعطون أولوية لحقوق المرأة في أي مفاوضات.وأخيرا يمكن القول إن أي اتفاقية لن تكون مستقرة ما لم توفر السبل الكفيلة بخلاص المقاتلين والسجناء من ذيول وتبعات الحرب، وتحتجز الحكومة الأفغانية حالياً عشرات الآلاف من أسرى المعارك ومعظمهم من حركة طالبان التي يقال إنها تستطيع تجنيد ما يصل الى 60 ألف مقاتل. ويميل معظم القادة الأفغان الى اطلاق أكثرية السجناء والصفح عن الجرائم ومساعدة المقاتلين في الحصول على أعمال لائقة كثمن للسلام.لكن هذه الخطوات تنطوي على تحديات خطيرة: فقد ينجرف المقاتلون المضللون للانضمام الى مجموعات متطرفة مثل تنظيم داعش، كما أن الضحايا قد يرفضون منح حصانة للقتلة ومن دون النظر الى حصيلة المفاوضات فإن الاقتصاد الأفغاني الضعيف سيكافح من أجل استيعاب عشرات الآلاف من الشبان، كما أن دمجهم في المجتمع سيحتاج الى سنوات.وقد يتمكن المفاوضون الأفغان من البدء بمعالجة بعض القضايا الأساسية في البلاد خلال الجولة الأولى من المحادثات ولكن معالجة الجوانب المتعلقة بمستقبل أفغانستان ستنطوي على مزيد من المصاعب بمرور الوقت. وربما يقل اهتمام العالم بالقضية الأفغانية وقد تصبح الأطراف الأفغانية والدولية أقل التزاماً بعملية السلام، كما أن أحداً لا يتوقع تحقيق صفقة كبيرة فورية، ولكن في وسع المتفاوضين التوصل الى صيغة مقبولة مثل الاتفاق على آلية العملية الانتقالية وعلى مجموعة من المبادئ لتوجيه مفاوضات المستقبل حول قضايا الأجل الطويل الجوهرية. في غضون ذلك، قد لا تتمحور المحادثات المبكرة حول لغة دستورية جديدة، لكنها ربما تمهد لتوجيه ما يمكن وما لا يمكن تغييره.إنهاء الحرب الأفغانية
سيتطلب إنهاء الحرب في أفغانستان تقديم كل الأطراف لتنازلات صعبة، والتسوية هي الطريقة الممكنة الوحيدة من أجل تحقيق الاستقرار كما يتعين على الولايات المتحدة بذل ما في وسعها للمساعدة في نجاح المفاوضات الأفغانية، وذلك من خلال التأكيد على أن انسحاب القوات الأميركية يتوقف على تقدم المحادثات. وكان هذا العرض المشروط حول انسحاب تلك القوات ضرورياً من أجل خلق الفرصة الحالية، ولكن السلام في أفغانستان سيتوقف في نهاية المطاف على الأفغان أنفسهم.