الفلسطينيون أكثر اعتدالاً في التكتيك لا في السلام مع إسرائيل
يشير استطلاع مفصّل أجري هذا الصيف في كل من الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى أنّ وجهات نظر الشباب الفلسطينيين هي أكثر اعتدالاً إلى حدّ ما من آراء نظرائهم الفلسطينيين الأكبر سناً بشأن مختلف القضايا الحالية، ولكن ليس بشأن المسائل الطويلة الأمد. وأبدى المستجيبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً اهتماماً هامشياً أكبر بالتقدّم الاقتصادي والإنجازات السياسيّة الداخليّة والاتصالات الشخصيّة مع الإسرائيليين وخطة ترامب للسلام ومواضيع مماثلة. ومع ذلك، قال نحو ثلث المستجيبين إنّهم يفضّلون السلام الدائم مع إسرائيل، أي النسبة المئوية نفسها للأقلية التي شملها المستجيبون الذين تجاوزت أعمارهم الـ30 عاماً. وبالتالي لا تدفع البيانات إلى الاعتقاد بأنّ تغيّر الأجيال أو مجرد مرور الزمن كفيلان بتعزيز احتمالات المصالحة الإسرائيليّة- الفلسطينيّة على المستوى الشعبي.يشكل التوافق الكبير نسبياً في وجهات النظر بين الشباب وكبار السن من الفلسطينيين حول مجموعة كبيرة من القضايا السياسية من بين المفاجآت العديدة في هذا الاستطلاع الذي أجراه «المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي» في شهري يونيو ويوليو. فباستثناء بعض القضايا الحالية المذكورة أعلاه، لا تفصل بين الجيلين في غالبية أسئلة الاستطلاع التي يبلغ عددها 40 سؤالاً سوى بضع نقاط لا تشكل نسبة مهمة إحصائياً.وعموماً، يبدو أنّ هذا الجيل الشاب من الفلسطينيين ليس أكثر اعتدالاً أو أكثر تشدداً، ولا أكثر علمانية ولا أكثر تديناً من جيل الآباء. على سبيل المثال، عبّرت الأغلبية الساحقة من المستجيبين (نحو 90 في المئة) عن أهمية الدين في حياتهم.
ولوحظ تباين واحد متواضع في هذا المجال فيما يتعلّق بمواقف سكان غزة تجاه «الإخوان المسلمين»، ففي هذا القطاع، أعرب 54 في المئة من المستجيبين الذين تجاوزوا الثلاثين عاماً عن تأييدهم للجماعة الإسلاميّة، مقابل 41 في المئة من الراشدين الأصغر سناً. وبالمثل، قال 62 في المئة من المستجيبين الأكبر سناً في غزة إنّه ينبغي السماح لـ»حماس» بالعمل بحريّة في الضفة الغربيّة، في حين سجل الجيل الشاب نصف هذه النسبة تقريباً.وتوافقت أيضاً الأجيال في الغالب على رفض السلام الدائم مع إسرائيل، حتى لو بأغلبية أصغر بكثير. وفي السؤال عمّا إذا كان حلّ الدولتين يجب أن يكون «نهاية النزاع مع إسرائيل»، أجاب 34 في المئة فقط من الشباب في الضفة الغربية بصورة إيجابية عن هذا السؤال؛ في حين كانت النسبة أقلّ بين السكان الأكبر سنّاً (25 في المئة).أمّا في غزّة، فكانت الآراء العامّة حول هذا الموضوع وغيره من القضايا ذات الصلة أكثر اعتدالاً إلى حدّ ما، ولكن انعكس فيها الاختلاف بين الأجيال: فقد أشار 38 في المئة من المستجيبين من شباب غزّة إلى أنّ حلّ الدولتين يجب أن ينهي النزاع، في حين وافق 46 في المئة من المستجيبين الأكبر سناً على هذا المبدأ. وبالمثل، في حين قد يعترف 41 في المئة من شباب غزة بإسرائيل «كدولة للشعب اليهودي» إذا كان ذلك سيساعد الفلسطينيين في الحصول على دولتهم الخاصّة، إلّا أن هذه النسبة ارتفعت بشكل غير متوقّع بين المشاركين الأكبر سناً من سكّان غزّة لتبلغ 56 في المئة.
سكان غزة أقل تسييساً
أظهر هذا الاستطلاع اختلافاً مدهشاً، ليس بين الأجيال بل بين سكّان الضفة الغربية من جهّة وسكان قطاع غزّة من جهة أخرى، فقد سئل المستجيبون عن مدى موافقتهم أو معارضتهم لهذا التصريح الاستفزازي: «إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو في الغالب للسياسيين أو المتقدمين في السنّ فقط، وبكلّ بساطة لا أفكّر في الأمر كثيراً». ففي الضفّة الغربيّة، وافق ربع المستجيبين فقط ولو «إلى حدّ ما» على هذا الافتراض، أمّا في غزّة فقد تضاعفت النسبة لتصل إلى 52 في المئة. وكان من المدهش أيضاً التعادل بين جيل الشباب والجيل الأكبر سناً حول هذا السؤال المتعلق بالعمر.ويكاد تفسير هذه الاستنتاجات غير البدهية للغاية يكون من المؤكد أنه يكمن في غياب الاتصال اليومي بين سكان غزّة والإسرائيليين منذ انسحاب الجنود والمستوطنين الإسرائيليين من القطاع في عام 2005. ويتناقض وضعهم بشدّة مع الظروف السائدة في الضفة الغربيّة، حيث يشكّل الجنود والمستوطنون الإسرائيليون ونقاط التفتيش الإسرائيلية تذكيراً دائماً بالصراع.الشباب أكثر واقعية في القضايا القصيرة الأجل
كما ذُكر سابقاً، برزت بعض الاختلافات الكبيرة بين الأجيال حول القضايا الأكثر إلحاحاً، خاصّة تلك المتعلّقة بالعلاقات مع إسرائيل، وحكومتي «فتح» و»حماس»، وشعوب عربية أخرى، والولايات المتحدة. أولاً، مال المستجيبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً إلى تفضيل الإصلاح السياسي الداخلي على حساب الأهداف السياسية الأخرى، من بينها «المقاومة» ضد إسرائيل. واختار نصف المستجيبين من هذه الفئة العمرية بعد أن عُرضت عليهم قائمة تضم خمس أولويات محتملة «إجراء انتخابات جديدة وجعل حكومتنا أكثر فعالية وأقل فساداً». وتراجعت النسبة المؤيدة لهذا الخيار بشكل ملحوظ بين الفلسطينيين الأكبر سنّاً: 35 في المئة في الضفة الغربية و38 في المئة في غزة.واختلفت الأجيال قليلاً أيضاً في مواقفها تجاه واشنطن، وخاصة في الضفة الغربية حيث كان المستجيبون من الشباب، أقل معارضةً إلى حد ما لبعض سياسات الولايات المتحدة وأقل دراية بغيرها. على سبيل المثال، فضّل 29 في المئة منهم فقط رفض خطة ترامب للسلام بشكل مباشر حتى قبل إعلانها رسمياً، مقارنة بنسبة 37 في المئة من المستجيبين الأكبر سناً. وبالمثل، عندما طُلب من شباب الضفّة الغربيّة الاختيار بين الخيارات السياسية التي تشمل «المزيد من المساعدات الاقتصاديّة الأميركيّة»، «والمزيد من الضغط على إسرائيل»، «وعدم التدخّل في شؤوننا إطلاقاً»، وغيرها من الخيارات، اختاروا بنسبة 22 في المئة الحصول على المزيد من المساعدات، مقارنةً بنسبة 13 في المئة فقط من المستجيبين الأكبر سناً، ووافق ثلثا الشباب أيضاً على هدف أميركي حالي آخر، هو «التماس مساعدات من دول عربيّة أخرى ... لتحسين وضعنا»، مقارنةً بنسبة 59 في المئة من المشاركين الأكبر سنّاً. وبرز اختلاف بين الأجيال بشكل واضح جداً: مال المستجيبون من الشباب في الضفّة الغربيّة بدرجة كبيرة إلى تأييد فكرة توقف حكومتهم عن دفع العلاوات للأسرى في السجون الإسرائيليّة. ووافقت نسبة كبيرة مفاجئة تبلغ 49 في المئة على هذا الموقف المثير للجدل للغاية، مقابل 35 في المئة فقط من المستجيبين الأكبر سناً. ولا يعود ذلك إلى اطلاع الجيل الشاب بدرجة أكبر على التكاليف الاقتصاديّة لهذه السياسة، فقد أفاد في الواقع 40 في المئة فقط من المستجيبين الشباب (مقابل 51 في المئة من المستجيبين الأكبر سناً) بأنّهم سمعوا الكثير عن «قانون تايلور فورس»، الذي سنته الولايات المتحدة عام 2018 وينص على قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينيّة بسبب العلاوات التي تدفعها للإرهابيين.وأخيراً، أظهر المستجيبون من الشباب في الضفة الغربيّة اعتدالاً نسبياً بشأن بعض الأسئلة العاجلة حول العلاقات مع إسرائيل، فأعربت الأغلبيّة (62 في المئة) عن تأييدها للعلاقات الشخصيّة مع الإسرائيليين «بهدف مساعدة معسكر السلام في هذه المنطقة»، في حين بلغت نسبة المؤيدين لهذه الفكرة من سكّان الضفة الغربيّة الأكبر سنّاً النصف فقط. وعلى نحو مماثل، عبّر 44 في المئة عن رغبتهم في الحصول على «المزيد من الوظائف لدى الشركات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة»، مقابل نسبة 32 في المئة فقط من المستجيبين الأكبر سنّاً.التداعيات السياسية
على الرغم من أنّ الرأي العام لا يشكّل بالتأكيد العامل الحاسم في السياسة الفلسطينيّة، فإن هذه النتائج تشير إلى انفتاح فوري على سياسة الولايات المتحدة من جهة وإلى مشكلة محتملة في وقت ما في المستقبل من جهة أخرى. وإذا شددت واشنطن على الإصلاح السياسي الفلسطيني، وعلى الفرصة الاقتصاديّة والحوار مع الإسرائيليين وشعوب عربية أخرى، وحتى على إنهاء الدعم الإرهابي، فقد تلقى قبولاً لدى جيل الشباب أكثر بكثير مما يُفترض غالباً، وقد يؤدي ذلك مع مرور الوقت إلى بعض الضغوط على السياسيين المحليين للتخفيف من معارضتهم لهذه الأهداف القيّمة. ولكن على المدى الطويل، تشير المعارضة الشعبية الغالبة للسلام الدائم مع إسرائيل، وحتى بين الشباب الذين شملهم الاستطلاع، إلى أنّ المصالحة الحقيقيّة تبقى حلماً بعيد المنال. وفي نهاية المطاف، فإن الجهود الأميركيّة لتعزيز التحسينات العمليّة على الأرض وتشجيع المبادرات الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين وغيرهم من العرب، قد تخفّف من حدّة هذا الموقف الشعبي المتشدّد، ومع ذلك، تشير الأدلّة إلى أن المساومة القائمة بمعظمها على النوايا الحسنة ليست خياراً واقعيّاً قد يتوفّر في أي وقت قريب، سواء بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو لأيّ من شركائها الإقليميين.