الجنسية التجارية!
سمعنا بقصص بيع وشراء الشهادات الجامعية ودرجات الماجستير والدكتوراه، وسمعنا بحكايات بيع وشراء القسائم الصناعية المملوكة للدولة، كما سمعنا ببيع وشراء الحيازات الزراعية وشهادات تطعيم الخرفان والأبقار لغرض الحصول على الجواخير، وأيضاً سمعنا بشراء شهادات الإعاقة بالإضافة إلى شراء الإقامة والمتاجرة فيها، وأخيراً سمعنا ببيع وشراء الشقق والعقارات الوهمية في الخارج، وتوجه أصابع الاتهام في كل هذه الجرائم وعمليات النصب والاحتيال إلى الأفراد أو الشركات التي يملكها الأفراد.لكن أن نسمع بقيام الحكومة بشراء جنسيات دول أجنبية ومنحها أفرادا يعيشون على أرضها منذ 60 سنة فهذه جديدة! هذه ليست كذبة أبريل ولا من الإشاعات التي تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها رؤية حكومية لمعالجة ملف البدون تحت شعار الحل الجذري لهذا الملف في إطار عدم المساس بالهوية الوطنية، وحتى تكون مصداقية هذا الخبر مؤكدة تمت تسمية هذا المشروع بالجنسية الاقتصادية، حيث تقوم الحكومة بشراء عشرات الآلاف من الجناسي من جمهوريتي بيلاروسيا والجبل الأسود مع إمكانية التفاوض مع دول أخرى، تقدر قيمة الجنسية بنحو 30 ألف دينار مع مبلغ مغرٍ آخر لمن يتم تجنيسه في هذه الصفقة.إذا كانت الحكومة تقوم بمثل هذه الصفقات بصفة رسمية فلماذا تعتبر شراء الجنسية الكويتية جريمة؟ وهل هذا الحل يعكس حقيقة ما يدعيه الجهاز المركزي بأنه نجح في كشف الجنسيات الحقيقية للبدون؟ وهل سيتم إرغام عشرات الآلاف من الناس على الاختيار بين هذا التجنيس الإلزامي أو البقاء تحت حصار الحرمان من الحقوق المدنية والمعيشية؟ وما مصير مستقبل هذه الفئة وأطفالهم بحق الإقامة التي تعتبرها الحكومة من القضايا السيادية ولا تخضع لنظر القضاء أمام المحكمة الإدارية، ويكون قرار إبعادهم في أي لحظة بيد وزير الداخلية؟
وفي حالة صرف الجنسية من هذه الدول للبدون المقيمين في الكويت، هل يتم منح المزايا نفسها لكل مواطني الجبل الأسود وبيلاروسيا بقوة القانون فتشرع لهم الأبواب للتدفق على الكويت؟! ألا تكفينا كارثة الجوازات التي تم بيعها للبدون من الدومينكان وليبيريا وغيرهما وتبين أنها مزورة وتم شطب أصحابها حتى من قاعدة بيانات البدون؟ وهل يعقل أن تكون عقلية الحكومة بهذا الشكل دونما مراعاة للنتائج الكارثية المؤكدة على هذا الشكل من المجازفة؟ ولماذا التركيز على مثل هذه الدول الصغيرة والناشئة؟ وإذا كانت الحكومة قادرة ومتحمسة لشراء جنسيات الدول الأجنبية، فلماذا لا تستعين بالدول المتقدمة والمستقرة مثل كندا والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد التي تربطنا بها علاقات سياسية وتجارية متينة وتاريخية؟ أليس هذا كله تطفلاً على سيادة الدول الأخرى أساساً؟ وإذا كانت الحكومة تتاجر بمفهوم المواطنة، فلم تزعم أنها تحارب شراء الشهادات والإقامات والمشاريع الصناعية والزراعية بعدما تنصب نفسها قدوة في مثل هذه العمليات المشبوهة؟ نتمنى ألا تنطلي هذه الخدعة على إخواننا البدون، فهذه حفرة جديدة يهدف البعض إلى جركم إليها لتزيد بعدها المعاناة والتعقيدات، اللهم اكفنا شر عباقرة زماننا الجدد، فقد تحول كل شيء في هذا البلد إلى تجارة، ولم يسلم من ذلك الجنسية الكويتية، بل حتى جنسيات الدول الفقيرة الأخرى.