كيف نواجه نتنياهو؟
ترافقت الذكرى السادسة والعشرون لتوقيع اتفاق أوسلو مع إعلان نتنياهو نيته ضم منطقة الأغوار التي تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية، ومع تصريحاته العنصرية الفاشية، التي حاول لاحقا سحبها "بأن العرب يريدون إبادة الإسرائيليين نساءً وأطفالا وشبابا".هذه الأمور الثلاثة مترابطة، وتصريحات نتنياهو لم تكن مجرد دعاية انتخابية، بل تعبر عن فهم شمولي للحركة الصهيونية بكل مكوناتها سواء الليكود، أو حزب غانتس أزرق أبيض، أو ليبرمان أو حتى حزب العمل.النهج الذي اعتمدته الحركة الصهيونية، يقوم أولا على فكر عنصري تلمودي بأن فلسطين لليهود فقط، وأن الوجود الفلسطيني مؤقت ويجب إنهاؤه، بالتطهير العرقي المكشوف كما جرى عام 1948، أو الضغط الاقتصادي والاجتماعي والتهجير التدريجي كما يفعلون اليوم.
ويقوم ثانيا على استخدام المفاوضات والاتفاقيات كاتفاق أوسلو كغطاء لعملية التهويد والضم، وعلى تعطيل تنفيذ الاتفاقيات التي تم إبرامها، ومن ثم إلقاؤها في سلة المهملات.وخلاصة هذا النهج أنه لا مجال لحل وسط مع الفلسطينيين، ولم يعد هناك حاجة لإخفاء ذلك والتنكر بقناع "عملية السلام" بعد أن أصبح ميزان القوى مختلا لصالح إسرائيل، ويقوم النهج الصهيوني ثالثا على اعتماد نظام الأبارتهايد العنصري، وحشر الفلسطينيين في غيتوات ومعازل، إلى أن تتاح فرص استكمال التطهير العرقي والتخلص منهم.إعلان نتنياهو ليس مجرد وسيلة انتخابية كما يتوهم البعض، بل هو استغلال للانتخابات لإعلان النوايا الحقيقية للخطة الإسرائيلية المنسقة مع ما يسمى "صفقة القرن"، وهي تأتي في سياق عملية متواصلة إسرائيلية- أميركية بدأت بالاعتراف بضم القدس، ومن ثم الجولان، وبالهجوم على وكالة الغوث وحق اللاجئين في العودة، وبتشجيع انفجار غير مسبوق في التوسع الاستيطاني، وبالإعلان الإسرائيلي المتكرر وعلى ألسنة فريق ترامب بأن "حل الدولتين" قد انتهى، ولا مجال لقيام دولة فلسطينية مستقلة. لم يوجد حتى الآن قائد إسرائيلي عسكري أو سياسي جدي، قبل أو يقبل بإنهاء الاحتلال، أو التخلي عن القدس العربية، أو الخروج من منطقة الأغوار، أو إزالة المستوطنات، أو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.كلهم يتحدثون في أحسن الأحوال عن حكم ذاتي هزيل، ويشددون على بقاء القدس "عاصمة" موحدة لإسرائيل وكلهم يتمسكون بالمستوطنات وبالأغوار.والمساق الطبيعي لهذا النهج الذي حول الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث إلى نظام أبارتهايد عنصري، هو الضم التدريجي للأراضي المحتلة، بدؤوا بالقدس، ثم الجولان والآن الأغوار وغدا كل مناطق "ج"، وبعدها ما تبقى من الضفة الغربية. وهذا النهج لن توقفه بيانات الإدانة والاستنكار والاستهجان، فهي لا تؤثر في أحد، ولن توقفه مواصلة المرواحة في أوهام الماضي واتفاقياته، أو مواصلة الرهان على مفاوضات لن تحدث، وإن حدثت فلن تثمر، أو بالاستمرار في الاعتقاد بإمكانية الوصول إلى حل وسط مع العنصرية الإسرائيلية. لن يوقف هذا المسار ولن يفشل أهدافه إلا خمسة أمور مترابطة: أولا، صمود الفلسطينيين بكل مكوناتهم على أرض فلسطين التاريخية في الداخل وفي الأراضي المحتلة، ومواصلة الحفاظ على، بل تعظيم، العنصر الديمغرافي، وبعد أن أصبح عدد الفلسطينيين أكبر بقليل من عدد اليهود الإسرائيليين على أرض فلسطين التاريخية.وثانيا، بمقاومة المخطط الصهيوني، وليس التفاوض معه، وبتصعيد شامل وموحد للمقاومة الشعبية.وثالثا، بتصعيد حركة المقاطعة وفرض العقوبات والمقاطعة على إسرائيل ومطالبة كل دولة، وكل حزب، وكل مؤسسة، في العالم تدعي تأييدها لحق الفلسطينيين، بفرض المحاسبة والعقوبات على إسرائيل التي لم تبقِ قانونا دوليا دون أن تخرقه وتمس به. ورابعا بإنهاء الانقسام الداخلي فورا ومواجهة هذا المخطط بقيادة وطنية موحدة وباستراتيجية وطنية موحدة، واستعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية كإطار لتوحيد حركة التحرر الوطني.وخامسا وأخيرا، بتبنٍّ فلسطيني شامل وموحد، لإقامة دولة ديمقراطية واحدة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات على جميع أراضي فلسطين التاريخية، من خلال النضال ضد نظام الأبارتهايد العنصري، بهدف إسقاطه بالكامل، باعتبار ذلك الهدف هو البديل الوحيد لتدمير إسرائيل المنهجي لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة.يجب أن يفهم كل إسرائيلي، وكل حكومة في العالم، أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن وطنهم، ولن يتركوا أرضهم، ولن ينحنوا أبدا لعبودية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي العنصري، مهما كان الثمن.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية