استراتيجية أميركية جديدة لإسقاط مادورو في فنزويلا
يبدي مؤيدو مادورو استعدادهم لإجراء انتخابات رئاسية خلال الأشهر المقبلة، شرط أن تُرفَع العقوبات ويحصل الاستحقاق الانتخابي تزامناً مع بقاء مادورو في الحكم وترشّحه للرئاسة مجدداً، لكن الولايات المتحدة والمعارضة الفنزويلية ترفضان هذه الشروط.
بعد مرور أشهر من دون إحراز تقدم ملحوظ، يبدو أن الولايات المتحدة تقترب من إزاحة نيكولاس مادورو من السلطة. حتى الفترة الأخيرة، كانت واشنطن تضغط لإسقاط مادورو عبر دعم زعيم المعارضة خوان غوايدو، على أمل أن يطلق هذا الأخير انتفاضة للإطاحة بالرئيس، لكن لم تنجح هذه الاستراتيجية حتى الآن. لذا وضعت واشنطن خطة جديدة: التفاوض حول المرحلة الانتقالية مع حكومة مادورو مباشرةً، كانت هذه الخطوة ممكنة لأن العقوبات المفروضة على فنزويلا أضعفت الحكومة بما يكفي لإجبارها على التفاوض، وأصبح رحيل مادورو الآن مسألة وقت!تبيّن أن إسقاط مادورو أصعب مما توقعت واشنطن في البداية، فكانت استراتيجيتها الأولية تقضي بِحَث المجتمع الدولي على دعم المعارضة الفنزويلية والاعتراف بغوايدو رئيساً موقتاً للبلاد، مما يؤدي إلى تجريد مادورو من الشرعية، لكن توقف نجاح هذه الاستراتيجية على شرطَين: أولاً، كان يجب أن تكسب المعارضة تأييد الجيش، لكن رغم بذل أقصى جهود ممكنة، بقي الجيش موالياً للحكومة لأن عناصره يتكلون على الامتيازات التي يمنحها لهم نظام المحسوبيات في فنزويلا.
ثانياً، احتاجت المعارضة إلى الحفاظ على زخم الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات المعادية للحكومة، فنجحت في تحقيق هذا الهدف لفترة، لكن قرر عدد كبير من الفنزويليين في النهاية الهرب من البلد أو التركيز على نجاته بدل تمضية الوقت في المسيرات. طرح هذان الشرطان مخاطر كبرى على المشاركين، ولم تكسب المعارضة ثقة الناس كي تقنع عدداً كافياً منهم بأن أخذ المجازفة يستحق العناء.مع ذلك، أصرّت الولايات المتحدة على إسقاط مادورو وإنهاء الأزمة الفنزويلية. بنظر واشنطن، لا تقتصر الأزمة على فنزويلا، فقد هرب ملايين الفنزويليين من البلد وطلبوا اللجوء في بلدان أخرى من أميركا الجنوبية، مما طرح تهديداً على استقرار أجزاء كبرى من القارة، كذلك، جذبت الأزمة لاعبين آخرين من خارج الأميركتَين واستفادوا من بث الخلافات بطريقة أو بأخرى. قدّم حلفاء فنزويلا التاريخيون، على غرار روسيا والصين، وبدرجة أقل تركيا، بعض الدعم لحكومة مادورو، في حين عبّرت البلدان الأوروبية عن تأييدها للمعارضة، أما الولايات المتحدة فتعتبر القارة الأميركية كلها جزءاً من نطاق نفوذها ولا تتحمّل أن تفرض قوى خارجية حضوراً طاغياً هناك، حتى أنها تُركّز على تغيير النظام لإعادة ضبط علاقات فنزويلا الدولية وتقليص الهجرة والسماح للشركات الأميركية بالمشاركة في إعادة الإعمار.لكن حين فشل الرهان على غوايدو، اضطرت واشنطن لإعادة النظر باستراتيجيتها. لم يكن التدخل العسكري وارداً، نظراً إلى تكاليفه المالية والسياسية الهائلة، محلياً وخارجياً، وكان مادورو وكابيلو ووزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز يسيطرون على الحكومة، ويتطلب أي اتفاق لإطلاق عملية انتقالية دعمهم جميعاً. كانت المحادثات تهدف بشكلٍ أساسي إلى مناقشة استراتيجية تنحّي مادورو وداعميه، وبعد فترة قصيرة، اعترف مادورو وترامب بأن بلدَيهما خاضا محادثات مباشرة وأن العمل يجري على تنظيم اجتماع آخر. وفي أواخر شهر أغسطس أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى فنزويلا، إيليوت أبرامز، أن الولايات المتحدة وفنزويلا تتناقشان حول العملية الانتقالية، ولا يريد الأميركيون محاكمة مادورو بل يدعمون رحيله بطريقة محترمة.اليوم، يشعر حلفاء فنزويلا التاريخيون بالقلق على أعمالهم هناك، فقد أيدت روسيا والصين وتركيا نظام مادورو، لكن لم يقدم أيٌّ منها دعماً كافياً لحل أزمة البلد الاقتصادية أو تجديد الثقة بالحكومة. باتت هذه الدول بدورها مقتنعة باقتراب رحيل مادورو. طالما تحافظ على مصالحها التجارية ولا يسقط مادورو بالقوة، بقرارٍ من الخارج، لن تعارض إطلاق مرحلة انتقالية.لكن يحتاج أي اتفاق بشأن المرحلة المرتقبة إلى دعم شريك أساسي آخر: كوبا! أيدت كوبا فنزويلا وجهازها الأمني لأكثر من 20 سنة، ولا يمكن إطلاق أي عملية انتقالية من دون موافقتها. يبدو أن كندا، عضو في مجموعة "ليما"، تؤدي دوراً محورياً في هذا المجال لأن أوتاوا تستطيع التحرك في كوبا بطرقٍ تعجز عنها واشنطن. في أواخر أغسطس زارت وزيرة الشؤون الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، كوبا لمناقشة الوضع في فنزويلا، بعد أسبوع على لقائها مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لمناقشة الأزمة الفنزويلية. إنها المرة الثالثة التي يلتقي فيها مسؤولون من كندا وكوبا شخصياً منذ مايو، وبعد حل المسائل الدبلوماسية، قد تتمحور المحادثات حول طريقة التعامل مع الجيش الفنزويلي باعتباره عنصراً أساسياً من العملية الانتقالية ومسؤولاً عن حماية الحكومة المقبلة والدفاع عنها. من المتوقع أن يستفيد عناصر الجيش من عفو عام، فقد سبق أن عرضت المعارضة العفو عن بعض العناصر إذا وافقوا على تأييدها.أخيراً، تحتاج مسألة أساسية أخرى إلى حل قبل الاتفاق على العملية الانتقالية: توقيت الانتخابات والقانون الانتخابي. يبدي مؤيدو مادورو استعدادهم لإجراء انتخابات رئاسية خلال الأشهر المقبلة، شرط أن تُرفَع العقوبات ويحصل الاستحقاق الانتخابي تزامناً مع بقاء مادورو في الحكم وترشّحه للرئاسة مجدداً، لكن الولايات المتحدة والمعارضة الفنزويلية ترفضان هذه الشروط. لا يريد الأميركيون أن يُعاد انتخاب مادورو، وتفضّل المعارضة إجراء الانتخابات في وقت أبكر وتدعو إلى إصلاح المجلس الانتخابي والمحكمة العليا. في مطلق الأحوال، يمكن اعتبار تركيز المفاوضات الراهنة على تفاصيل الانتخابات مؤشراً على حصول تقدم ملحوظ.* أليسون فيديركا* "جي بي إف"
حين فشل رهان الولايات المتحدة على غوايدو اضطرت لإعادة النظر باستراتيجيتها