● في البداية ما طبيعة علاقتك بالتراث؟ وهل من الضروري أن يكون الناقد ملماً بالتراث، غثه وسمينه؟ هذا سؤالان متكاملان وجوابي عليهما: نعم ضروري أن يكون الناقد ملماً بالتراث، بل متضلعاً في مسائله وقضاياه، لأن كثيرا مما جاء فيه شكل جذرا أو جذورا لما طوره ناقدون معاصرون، خذ مثلا نظرية ابن قتيبة (276 هجرية) في مقدمته لكتابه "الشعر والشعراء" في الجديد والقديم، وضرورة النظر إلى الأثر الفني بمعزل عن قدمه أو جدته؛ تجدها جذرا للنظرية النقدية المتحورة حول النص، والنص وحده. والشيء ذاته يمكن أن يقال عن مسألة جدة التناول أو بكارة الإبداع، فكثير من النقاد قد يرون في بعض الآثار الفنية أو الصور الشعرية ابتكارا غير مسبوق.
وحقيقة الأمر، قد لا يرى الناقد المتصل بالتراث اتصالا وثيقا ما يرى أولئك، لأن في وعيه نماذج هي الأسبق، وهي النموذج. وعليه، فالجهل بالتراث قد يوقع الناقد في مزالق وعثرات وأحكام مغلوطة، كان يمكن أن يكون في غنى عنها لو تسلح بثقافة تراثية عميقة وجادة.أما علاقتي بالتراث فهي علاقة مختص ومهتم ومعجب بكثير من كنوزه، تلك التي أفدت منها في كثير من دراساتي وبحوثي المعاصرة. وأضرب لك مثالاً واحداً فقط، فأنا عندي دراسة عنوانها "شفيق جبري شاعراً إحيائياً" نشرتها في كتابي محطات في اللغة والنقد وتاريخ الأدب (دمشق 2015)، وفيها رصدت كثيرا من أشعار جبري ووصلتها بالتراث الشعري العربي الأقدم، وبهذا تسلط أضواء وأنوار على ما نعاينه من ابداع شعرنا المعاصر.● تنقية التراث... مهمة من؟- هذه التنقية تتحدد بمعرفة ما يلائم عصرنا وما لا يلائمه، وعلى كل حال غالبا ما يصدق على التراث مقولة "البقاء للأصلح"، ومن البديهي ألا يؤخذ تراثنا بغثه وسمينه... ثم إن كلمة "تراث" واسعة ومعقدة وذات أوجه، وإذا كان هناك من يقول "لا اجتهاد مع النص" فأنا أعلن أنني مع "الاجتهاد مع النص"، بل هناك نصوص ينبغي أن يقذف بها الى الظلمة. وأعني بها كل ما يعيق التطور ويقف حائلا دون التحرر، وما يكرس التخلف والعنف والظلامية.
مجموعات شعرية
* دائما يواجَه النقد بتخلفه عن مواكبة الحركة الإبداعية، هل ترى ذلك فعلاً؟ - نعم إلى حد ما. وهناك استحالة أن يتابع ناقد بعينه كل ما يصدر من مجموعات شعرية أو مسرحيات أو قصص أو روايات، ولكن من باب آخر، فالنقد ليس تابعاً فحسب، بل هو موجه وفاتح آفاق، وهو من يبشر بموهبة صاعدة ويشجعها، وأثر نجاح العطار في حنا مينة لا ينكر، وأثر الناقد مارون عبود في نزار قباني والناقد يوسف اليوسف في الشاعر عبدالقادر الحصني، والشأن ذاته يصدق على سلامة موسى ونجيب محفوظ، والسلسلة تطول، وفي كل الحالات كل المبدعين يتطلعون إلى النقاد ليعترفوا بإبداعهم ويزكوه، وكل أولئك يؤسس لتاريخ الأدب ويرسم توجهاته. وأخيراً يصح القول: الأدب يشبه طائرا بجناحين هما: الإبداع والنقد، ولا يحلق إلا بهما معا.● إننا لسنا في عصر الشعر"... مقولة ذكرتها، لماذا تجزم بذلك، وما شواهدك؟ -هذا رأي لا أتفرد به، وكثيرون غيري لاحظوا ذلك، والدليل أن المجموعات الشعرية المطبوعة عندنا في اتحاد الكتاب العرب بدمشق يعلوها الغبار وتعاني تكدسا وكسادا لا رحمة فيه، طبعا خلا مجموعات بعض الشعراء الكبار، في حين نلاحظ أن بعض الروايات المشهورة تظهر في الأسواق في طبعتها الخامسة أو السادسة. وقد أبلغتني روائية سورية ناشئة أنها ستطبع روايتها للمرة الثالثة في غضون سنتين، طبعاً الساحة السورية ثرية إبداعيا، وهناك عوامل للسيرورة وعوامل لامتناعها، ولسنا هنا في معرض بسط كل سبب.● في جل كتبك، وخاصة كتاب "في نقد السرد العربي"، ابتعدت عن المناهج الغربية فى تناولك لمجموعة من الروائيين العرب، هل يعد هذا موقفاً من المناهج الغربية؟ لا يعد ابتعادا عن المناهج الغربية. لكن لم لا نؤصل لنا طرائق في دراسة إبداع كتابنا؟ أنا لست من أنصار الانغلاق أبدا، وقد أفدت من المناهج الغربية في بعض دراساتي، لكني أزعم أني لم أستلب لها، بل جعلتها تشكل خلفية لي كما يشكل جهود نقادنا الكبار خلفية أخرى، ورغم كل ذلك لابد للناقد من أن يري وجهه الخاص للناس، ويتحمل عبء ذلك، سواء وفق في ذلك أم لم يوفق، ولا مناص من الإشارة إلى خلخلة المركزية الغربية في النقد والإبداع على حد سواء.● لك تجارب إبداعية في كتابة القصة... حدثنا عنها؟- نعم، أنا نشرت مجموعتين قصصيتين وكتبتهما وأنا بالمغترب في باريس، هما: سحر الكلمات، واللحظة الحارقة، وقد صدفتا استحسانا، وطبعا أنا قدمت نفسي ناقدا للسرد العربي، ولكني جربت قلمي في هذا النوع الأدبي، وهي تجربة لا أخشى أن يتعرض لها النقاد بأقلامهم سلبا وإيجابا، ومن يكتب يصبح بعد نشر كتابته لا علاقة له بها، ومن ذا الذي يرضي إبداعه كل الناس؟● ماذا عن أحدث مشاريعك؟- أرجو أن يتاح لي فرصة إتمام كتاب عن الرواية من زوايا متعددة، وقد كتبت عددا من فصوله ولم أتمه. ومن زاوية أخرى، أحن الآن لنشر إحدى المخطوطات الأدبية الموجودة في مكتبة الأسد الوطنية مما عاينته قبل خروجي من أرض الوطن إلى المغترب، وقد طالعت عددا من صفحاتها فأعجبتني كثيرا مثلها مثل الكثير من كنوزنا الأدبية التي تحتاج إلى تحقيق علمي ونشر.سطور وإصدارات
وُلد د. عادل الفريجات في بلدة "خبب" في درعا، وهو عضو اتحاد الكتاب العرب، وتلقى تعليمه في خبب وتخرج في جامعة دمشق، وهو حاصل على دكتوراه في اللغة العربية، وعمل فترة مدرسا في محافظة الحسكة،ومن مؤلفاته: "إضاءات في النقد الأدبي"، "الأوائل للجراعي"، "خمسة إشكالات نقدية"، "بشر بن أبي خازم الأسدي- حياته وشعره"، "الشعراء الجاهليون الأوائل- أخبارهم وأشعارهم"، و"دراسات في المكتبة العربية التراثية".