في عام 2006 صدر القانون رقم 46 بشأن الزكاة ومساهمة الشركات في ميزانية الدولة بعد محاولات عديدة استمرت منذ مجلس 1985، حيث كان يصطدم الاقتراح بعدة صعوبات أهمها الخلافات العقائدية والمذهبية وضلوع كثير من الشركات في الربا، بالإضافة إلى رغبة كثير من المتدينين في إخراج زكاتهم بأنفسهم لأقاربهم ومعارفهم. وعندما كنت وزيراً للأوقاف جمعت الإخوة الفقهاء في بيت الزكاة، وعرضت عليهم فكرة القانون الحالي لتمرير القانون في مجلس الأمة ليكون اللبنة الأولى مع إمكانية التوصل إلى زيادته ليكون قانوناً شاملاً للزكاة في المستقبل.
وبالفعل تمت صياغة القانون وفق الفتوى الشرعية التي صدرت بأن تورد الشركات المساهمة العامة والمقفلة مبلغ 1% من أرباحها إلى الدولة لإخراجها في مصارف الزكاة، على أن تحسب باقي قيمة الزكاة وتخرجها بنفسها، وهذا يعتبر تفويضاً من ولي الأمر للشركات، وإذا رأت الشركة أن المبلغ المحصل منها لا يمثل الزكاة الشرعية لأي سبب من الأسباب فلها أن تطلب صرف المبلغ في الخدمات العامة للدولة، وبالتالي تدفع كل الشركات النسبة نفسها للدولة على السواء. وهذا القانون يحصل نحو 30 مليون دينار في السنة، كما ورد في جواب لوزير المالية عن سؤال النائب السابق حمود الحمدان، ولكن رغم ذلك تم تقديم أكثر من طعن في المحكمة الدستورية على القانون، إلا أن المحكمة رفضت كل الطعون وأفتت بدستورية القانون بحمد الله. هذا القانون يتمناه كل المتدينين في كثير من الدول الإسلامية لأنهم يدفعون الضريبة في دولهم ويخرجون فوقها الزكاة الشرعية بأنفسهم، لذلك فهم يتمنون أن يُسمح لهم بتحديد مبلغ الزكاة من الضريبة الحكومية التي يدفعونها على أن تصرف من قبل الدولة في مصارف الزكاة لكي لا يضطروا إلى إخراجها مرة أخرى. وفي مجلس الأمة الآن نحو سبعة اقتراحات بقوانين جديدة للزكاة أحدها يعيد الموضوع إلى المربع الأول، وأعتقد أنه سيصطدم بالصعوبات التي واجهناها منذ مجلس 1985، وبالتالي سيكون تمريره صعباً أو متعذراً، أما باقي القوانين فتدور حول تغيير تبعية بيت الزكاة أو تغيير مجلس الإدارة أو تغيير النسبة التي تُحصّل من الشركات. وأعتقد أن الاتجاه الثاني هو الأسلم والأسهل، وهو أن تتوسع شريحة الشركات المخاطبة بالقانون فتشمل كل أنواع الشركات، مثل الشركات ذات المسؤولية المحدودة، والمؤسسات التجارية والشركات العائلية، وكذلك أن تزداد نسبة المبلغ المقتطع من الأرباح لتكون 2.5% مع إبقاء التوجه الحالي للقانون، بأن تحسب كل شركة مقدار زكاتها من النسبة المقررة، وتخرج باقي قيمة الزكاة بمعرفتها دون الدخول في تفصيل وعاء الزكاة، تجنباً للخلافات العقائدية والمذهبية وغيرها مما قد يعطل صدور القانون ويعطل المصالح الكبيرة المرجوة منه. ولما كان مصرف الغارمين هو أحد مصارف الزكاة في الإسلام، حيث نص عليه القرآن الكريم، فإن قانون الزكاة الحالي وخصوصا بعد توسعته سيساهم إلى حد كبير في سداد فوائد وقروض المدينين المستحقين بهبات من حصيلة الزكاة وليس بقروض، وهو بذلك يمثل صورة من أجمل صور التكافل في المجتمع الإسلامي دون الحاجة إلى الاقتراض من مؤسسة التأمينات التي تعاني حالياً عجزاً كبيراً ودون الحاجة إلى الأخذ من المال العام، وهو مال الجميع، إلى أناس دون آخرين.
مقالات
رياح وأوتاد: الزكاة تشريع رباني لحل القروض
16-09-2019