نظام التحالف الأميركي في آسياعلى طريق الانهيار
خلال أكثر من نصف قرن، اتكل النفوذ الأميركي في آسيا على نظام التحالف الذي بَنَته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية. اليوم، يجازف الخلاف بين اليابان وكوريا الجنوبية، أهم ركيزتَين في ذلك النظام، بنسف التقدم الذي تحقق على مر عشرين سنة.بدل أداء دور الوساطة بين حليفَين للولايات المتحدة، فضّلت واشنطن مراقبة ما يحصل عن بُعد، فتركت الساحة خالية أمام الصين التي سارعت إلى الاستفادة من الجمود الأميركي. خلال قمة ثلاثية مع وزيرَي خارجية اليابان وكوريا الجنوبية في أواخر شهر أغسطس مثلاً، شجّعت الصين الطرفَين على وضع خلافاتهما جانباً لمدة تسمح بإبرام اتفاقية تجارية ثلاثية الأطراف. يُفترض أن تراجع واشنطن حساباتها أمام هذا الوضع، فإذا انهار نظام التحالف الأميركي خلال السنوات المقبلة، يمكن اعتبار الوضع الراهن بداية النهاية. فقد أثبتت بكين، التي تسعى إلى تعطيل التحالفات الأميركية في آسيا منذ فترة طويلة، قدرتها على إدارة النظام الإقليمي وتقويته أكثر من الولايات المتحدة الحائرة.لكنّ هدف الصين النهائي من استغلال الخلاف بين اليابان وكوريا الجنوبية ليس واضحاً بقدر ما يوحي به. تريد بكين تصعيد التوتر بما يكفي لإضعاف نظام التحالف الأميركي في آسيا، لكنها لا ترغب في تدهور العلاقة بين سيئول وطوكيو لدرجة أن يتباعد البلدان بالكامل. بل إنها تطمح بكل بساطة إلى ربط هذه العلاقة ببكين بدل واشنطن، وبدءاً من مساعي الصين لعقد اتفاقية تجارية حرة وصولاً إلى مشروعها في شبه الجزيرة الكورية، تريد أن تصبح أهم جهة تأخذها الدول المجاورة بالاعتبار في سياساتها الخارجية. قد يؤدي تغيير توازن الأولويات والنفوذ في شرق آسيا إلى تهديد المكانة الأميركية في المنطقة.
لكن كانت الصين ذكية بما يكفي كي لا تبالغ في تقدير قوتها. حتى الآن، لم تتقرب من كوريا الجنوبية صراحةً لإقناعها بالتخلي عن تحالفها مع الولايات المتحدة، ولم تطلق حملتها الخاصة لمعاقبة اليابان على أعمالها العدائية خلال الحرب العالمية الثانية، بل حاولت أن تؤجج التوتر بين اليابان وكوريا الجنوبية لإثبات ضعف القيادة الأميركية (إذا كانت الولايات المتحدة تعجز عن أداء دور الوساطة بفاعلية بين حلفائها، فما نفعها إذاً؟)، كما طرحت نفسها كصانعة سلام استباقية وشريكة جديرة بالثقة أكثر من الولايات المتحدة. في وقتٍ سابق من هذه السنة، دعا السفير الصيني في كوريا الجنوبية، تشيو قوه هونغ، البلدَين إلى التعاون معاً للتصدي للسياسة الحمائية والخطط أحادية الجانب، في إشارةٍ ضمنية إلى سياسات ترامب الخارجية والتجارية. اعتبر السفير أن تقوية العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية ستثبت لحلفاء الأميركيين الآخرين في المنطقة منافع الاحتماء من التدخل الأميركي المفرط في قراراتهم المحلية والخارجية.ضمنت التحالفات الأميركية القوية في شرق آسيا السلام والأمن لأكثر من نصف قرن، وحتى الفترة الأخيرة، لم تنجح معارضة الصين لتلك التحالفات في إضعافها، لكنّ توتر العلاقة بين طوكيو وسيئول قد يزيد جرأة بكين في سعيها إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي لمصلحتها. يظن البعض أن إدارة ترامب خسرت فرصة إصلاح الوضع لأنها لم تتدخل في مرحلة أبكر. هذا ممكن، لكن بما أن النظام الإقليمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في تلك المنطقة أصبح على المحك، فإنه يتعين على الإدارة الأميركية أن تضاعف جهودها لتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية.بوني غلاسر وتانيشا فازال* «فورين أفيرز»