● بداية، ماذا تعني بالصحافة الرقمية والأدب الرقمي؟ هل من معايير جديدة أوجدتها في كتابك؟
- رقمنة الأدب والصحافة هي الانتقال من الشكل التقليدي الورقي إلى الشكل الرقمي وهي قضية حتمية، ولن يستطيع أحد الوقوف في وجهها، بالضبط كما كان الانتقال من الشفاهة إلى الكتابة حتمياً، لكن هذا لا يعني إطلاقاً موت الأدب الكتابي، إذ لم تؤدِّ الكتابة إلى موت الأدب الشفاهي الذي ما زال حاضراً خصوصا في الفنون الشعبية، ولكن منزلة الأدب الكتابي ستتراجع ليصبح في منزلة الأدب الشعبي، فحركة التاريخ حتمية، ولا يستطيع أحد عرقلتها، ومن يحاول ذلك يضيع وقته، وجهده حتى يستفيق ليجد نفسه وقد أصبح في ذيل الركب الإنساني. وبرأيي فإننا نعيش الآن عصراً انتقالياً يشبه تماماً عصر تحول الإنسان من الشفاهة إلى الكتابة، وما تغير ليس مادة الوسيط بل نوعه، وأسلوب عمله. وحتماً للأدب الرقمي بلاغة جديدة يفرضها الوسيط الجديد يمكن أن نسميها "البلاغة المتعددة الوسائط" أو "بلاغة الملتيميديا"، وهذا ما نراه اليوم من أثر كبير أدت إليه الكتابة، فقد أصبح للنص الأدبي وجود بصري مع كل ما يتبع هذا من تطور في فنون البلاغة والرمز والعلامة. ونحن ما زلنا نعيش مرحلة التحول ومحاولة التمسك بالوسيط الورقي، وإن أهم ما يمنحه الفضاء الرقمي للأديب، بخلاف الورقي، هو سهولة الوصول إلى أي مكان في العالم ومخاطبة أي نوع من المتلقين، فضلاً عن الإمكانيات الإبداعية اللامحدودة التي تتيحها الوسائط المتعددة.● هل قضت التكنولوجيا الرقمية على تذوقنا للأدب؟ - قبل أن نطلق ذلك الحكم أؤكد ان الأدب الرقمي أو التفاعلي كما يطلق عليه بعض النقاد من وجهة نظري هو أدب المستقبل، وذلك لأن هذا الأدب يعبر عن روح العصر الرقمي الذي أخذنا نعيش فيه بامتياز، وهو عصر جديد ومختلف عن كل ما سبق للبشرية أن مرت به. لنقل إنه نقلة نوعية أو قفزة حضارية جديدة للإنسان، وفي هذا العصر ولد إنسان جديد تماما، هو الإنسان الافتراضي الذي يعيش في مجتمع جديد هو المجتمع الرقمي. وهذا الإنسان الافتراضي بمجتمعه الرقمي الجديد، ومشاكله المختلفة يحتاج لأدب خاص ومختلف يعبر عنه وهذا هو الأدب الرقمي، فالأدب الرقمي ليس بدعة ولا فقاعة في الهواء وفي رأيي لا يفقد التذوق، بل هو شيء أصيل ولد من رحم المجتمع الرقمي، وسيسود تماما في المستقبل بينما ستتلاشى رويدا رويدا بقايا الديناصورات الورقية التي لم تستوعب بعد كل تداعيات هذه الثورة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ.● قد يجد الشعر ازدهاره في عالم التكنولوجيا لما تتميز به من مساحات مختصرة قليلة ورغم ذلك لا نجد رواجا للشعر ومازال البعض يردد أننا في عصر الرواية ما رأيك؟- قبل سنوات طويلة قال الأديب العالمي نجيب محفوظ «القصة هي شعر الدنيا الجديد» ويبدو أنه كان يرد على مقولة العقاد «إن 50 صفحة من القصة لا تعطيك المحصول الذي يعطيكه بيت كهذا البيت: وتلفتت عيني فمذ خفيت= عنى الطلول تلفتَ القلب»، وفي رأيي هناك تزايد ملحوظ في أعداد الروايات، الأمر الذي يجعلنا نعيش الآن عصر الرواية، والتي تختلف عن روايات زمن نجيب محفوظ، لأنها ذات سمات خاصة، فأغلب الكتاب الجدد، لاسيما الفتيات، يميلون الى تسجيل قصة حياتهم او تجربة مروا بها، وهو ما يظهر جليا على الإنترنت والبلوجرز، والفيسبوك، حيث ساهمت تلك الوسائل الحديثة في انتشار ثقافة الرواية وزيادة عدد قارئيها، وما ساعد الرواية على الانتشار هو جنوح الشعر الى الصور الصعبة وهو الامر نفسه مع القصة القصيرة والتي كانت متربعة على عرش الثقافة في ستينيات القرن الماضي، حيث كان القراء يحتاجون الى رسائل قصيرة تعبر عن أحوالهم، على عكس الوقت الحالي الذي يتسم بالتعقيد، وأصبحت هناك حاجة الى شرح المفاهيم والمعلومات والعلاقات المتشابكة، الأمر الذي جعل الرواية هي الأقدر على فعل ذلك.● هل من مواصفات جديدة للناقد في تعامله مع النص الرقمي؟- لابد أن يكون الناقد ملما بمفاهيم العصر الرقمي من وجود إنسان افتراضي في بقعة ما من الأرض يقرأ النصوص ويتفاعل معها، وهذا يجرنا للحديث عن ضرورة مواكبة الحركة النقدية للإبداع ورغم أن الإبداع الأدبي العربي حاضر ومزدهر في مجالات عدة إلا أن الحديث عن تراجع النقد متكرر وحدث منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث أثيرت على بعض الصفحات الأدبية قضية تراجع النقد، وقيل عن هذا التراجع ما قيل، وترددت كلمات عن "السطحية، الاستسهال، فقر الأفكار النقدية، وعدم الجدية، وإخضاع النقد لتوجهات فكرية بعينها على حساب الأعمال الأدبية"، وهذا الطرح القديم حول وضع النقد، لم يتجاوز دائرة النقاد المحترفين، على عكس الآن حيث أصبح جزءًا من النقاش العام المشترك بين دوائر واسعة من المبدعين والقراء والنقاد على حد سواء.● ما رؤيتك للواقع راهناً؟- الثقافة في الأساس تكوين الإنسان، ونشر المعرفة البشرية وبناء الدولة. وبلا شك، فإنها وسيلة خلاص الدول التي تطمح إلى التقدم. ولكن من يجب أن يقوم بدور «نقل الثقافة»؟ من المؤكد أن الدولة هي المسؤولة بسياساتها الثقافية ووسائلها التنفيذية من أجهزة ومؤسسات، ومصر تزخر بأسماء لامعة في مجالات الفكر والأدب والترجمة والفلسفة وغيرها، ولا يلتفت إليها بل ويطالها نسيان غير مفهوم، بينما يتم تكريمها في دول الخليج والغرب، ويتم التنويه بها وبأعمالها في مختلف المحافل الثقافية والعلمية التي تحضرها، أكثر من ذلك بعض المصريين يحصدون جوائز مهمة عن جدارة واستحقاق؛ لأن هذه الدول تؤمن بثقافة الاعتراف، وتولي أهمية خاصة للجانب الثقافي، وتشجع المثقفين.
مسيرته الأدبية والنقدية
بدأت مسيرة د. أحمد عزيز الأدبية والنقدية منذ صغره ونشأته بإحدى قرى محافظة الفيوم جنوب القاهرة، وحسبما يقول: "كنت مولعا بالحكي منذ الصغر، أحكي قصصاً لأصدقائي، ولأفراد أسرتي، بدأت القراءة وعمري 7 سنوات، وكانت أول رواية قرأتها البؤساء لفيكتور هوغو، بينما ظهرت رغبتي في الكتابة وأنا في عمر الخامسة عشرة عندما كنت أتولى مسؤولية الإذاعة المدرسية... بعد التخرج في الجامعة وأثناء الدراسة بدأت مراسلة كبرى المجلات العربية، ومنها مجلة العربي التي تربيت عليها ثقافيا". حصل عزيز على الماجستير عن "الحراك الاجتماعي في روايات توفيق الحكيم"، والدكتوراه من كلية الآداب جامعة عين شمس بعنوان "التوظيف الفني للعناصر التاريخية في الرواية المعاصرة"، وصدر له مؤخراً كتاب "الصحافة الرقمية النص والتلقي"، ويعمل حاليا محاضراً بكلية اللغة والإعلام الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.