زلزال انتخابي يضرب الإسلاميين والنخبة الحاكمة في تونس
• سعيّد... خبير دستوري «محافظ» يتصدر السباق الرئاسي
• القروي يحلّ ثانياً من داخل سجنه
في مفاجأة مدوية للأحزاب التونسية الكبرى، تصدر الأكاديمي المحافظ أستاذ القانون المتقاعد قيس سعيد المركز الأول في الانتخابات الرئاسية، وخلفه رجل الأعمال وقطب الإعلام الموقوف في السجن نبيل القروي، ثم مرشح حزب «النهضة» الإسلامي عبدالفتاح مورو.
استيقظت تونس، مهد الربيع العربي، صباح أمس، على وقع "زلزال انتخابي" بعد الدورة الأولى من انتخابات رئاسية غير مسبوقة أفضت مبدئيّاً، وبانتظار النتائج الرسميّة، إلى انتقال مرشّحَين من خارج النظام إلى الدورة الثانية.ووسط ترقب لإعلانها اليوم المرشحين لخوض السباق الأخير إلى قصر قرطاج، نشرت الهيئة العليا للانتخابات على موقعها الرسمي جدول ترتيب يظهر حلول أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد في المرتبة الأولى بنسبة 19 في المئة، يليه قطب الإعلام الموقوف نبيل القروي مع 14.9 في المئة، وثالثاً مرشح حزب "النهضة" الإسلامي عبدالفتاح مورو مع 13.1 في المئة، ثم وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي وبعده رئيس الحكومة يوسف الشاهد.وفي سيناريو سيكون - في حال تأكده - بمنزلة زلزال للطبقة الحاكمة منذ ثورة 2011 وضربة موجعة للإسلاميين، الذين باتوا طرفاً رئيسياً في الحكومات الائتلافية المتعاقبة، انتقل نبيل القروي وقيس سعيّد اللذان نشرت الصحف التونسية صورتيهما، إلى الدورة الثانية، وذلك استنادا إلى استطلاعات الرأي في غياب نتائج رسمية.
وفي ظل تدني نسبة الإقبال على التصويت، التي بلغت 45 في المئة، مقارنة مع 63 في المئة عام 2014، تسلط النتيجة الضوء على الإحباط واسع النطاق من ضعف الاقتصاد وارتفاع البطالة وتردّي الخدمات العامة وتجذّر الفساد.وقالت صحيفة "لا بريس"، "نتيجة غير متوقعة"، في حين عنونت "لو تان" مقالا "الصفعة". وتحدثت صحيفة "الشروق" عن "زلزال انتخابي" و"المغرب" عن "تسونامي".
الشاهد ومورو
وفي أول رد فعل ليل الأحد - الاثنين، دعا الشاهد، الخاسر الأكبر في الانتخابات، المعسكر الليبرالي والوسطي إلى الاتحاد لقطع الطريق للانتخابات التشريعية المقررة في السادس من أكتوبر، معربا عن قلقه لنسبة المشاركة الضعيفة التي عدها "سيئة" للانتقال الديمقراطي.وطالب الشاهد "الصف الديمقراطي" إلى التقاط الرسالة من النتائج، محذرا من خطورة عدم وجود مرشح لمعسكره في الدور الثاني للانتخابات، بسبب تشتت أصوات الناخبين.ودعا حزب "النهضة"، ذو المرجعيّة الإسلاميّة، الذي قدّم للمرّة الأولى في تاريخه مرشّحاً للانتخابات الرئاسيّة، إلى الحذر، ملمحاً إلى أن أرقامه مختلفة عن الاستطلاعات المنشورة.وقال سمير ديلو، الناطق الرسمي باسم حملة عبدالفتّاح مورو، في مؤتمر صحافي، إنّ "الجهة الوحيدة المخوّل لها تقديم النتائج هي الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، وسواء من حيث الترتيب أو من حيث نسب الأصوات، نتائجنا مختلفة. ولا نقبل من أحد أن يفرض أمراً واقعاً".وأقر المرشح للانتخابات عن حزب "حراك تونس الإرادة" الرئيس السابق المنصف المرزوقي بأن النتائج التقديرية للانتخابات "مخيبة للآمال"، مؤكدا تحمّله كامل المسؤولية في الفشل بإقناع غالبية الناخبين بشخصه وببرنامجه لقيادة تونس في السنوات المقبلة.ومن شأن هذا الواقع الجديد، إذا ما أكّدته الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، أن يزيح طبقة سياسيّة موجودة منذ ثورة 2011، وأن يدخل تونس في حالة من عدم اليقين.ثورة ثانية
وخلال مقابلة إذاعية، وصف سعيّد نتائج استطلاعات خروج الناخبين من مراكز الاقتراع التي أظهرت حصوله على معظم الأصوات، بأنها مثل "ثورة ثانية"، قائلاً: "ما حصل يحمّلني مسؤولية كبرى لتحويل الإحباط إلى أمل".وحتى وقت قريب، لم يكن هذا الرجل المحافظ وارداً في حسابات الائتلاف الحاكم كمنافس جدّي أمام مرشحين من العيار الثقيل، مثل مورو والشاهد والزبيدي، لكنه تقدّم إلى السباق بعد جمعه تزكيات شعبية، وحقق قفزات مذهلة في استطلاعات الرأي خلال الفترة الانتخابية، ووجّه يوم الاقتراع الضربة القاضية لمنافسيه.وأستاذ القانون الدستوري الملقب بـ "الروبوكوب" يتحدّث باسترسال، حرصاً منه على أن تكون حملته معتمدةً على التواصل المباشر مع الناخبين.اللغة العربيّة لا تُفارق سعيّد. ويستضيفه الإعلام التونسي كلّ ما كان هناك سجال دستوري، ليُقدّم القراءات ويوضح مَواطن الغموض من الجانب القانوني.وظهر سعيّد (61 عاماً) الأب لثلاثة أبناء في عمليّات سبر الآراء في الربيع الفائت، وحصل على ترتيب متقدّم فيها، وبدأ يلفت الانتباه إليه تدريجياً.ويعتبر سعيّد محافظاً، فقد أثار جدلاً في وقت سابق من العام، عندما قال في مقابلة صحافية إن "المثليين يتلقون تمويلات من الخارج لإفساد الأمة الإسلامية". ووصف نشطاء تصريحاته هذه بأنها "رجعية" وتمثّل "استهدافا للأقليات الجنسية".كما رفض قانون المساواة في الميراث الذي كان يرعاه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي. واعتبر سعيّد وقتها أن "تونس دولة دينها الإسلام حسب النص الدستوري"، مذكّرا بأن "المساواة في الإرث مسألة طرحت في مطلع الثمانينيات حين توجّه بعض من الأساتذة للرئيس الحبيب بورقيبة وطلبوا منه إدخال تعديلات على مجلة الأحوال الشخصية، فكان جوابه واضحا بوجود نص قرآني غير قابل للاجتهاد والتأويل".رسالة القروي
وفي رسالة تلتها زوجته سلوى سماوي، اعتبر القروي أن النتيجة بمنزلة رسالة لنخبة سياسية يتهمها باستخدام القضاء لمحاولة إسكاته، مؤكدا أن "الشعب التونسي قال لا للظلم، لا للتهميش، لا للفقر، نعم للأمل".وجاء في رسالة القروي: "الشعب التونسي عاقب من حاول سرقة أصوات الناخبين عبر وضعي في السجن دون محاكمة وحرماني من التواصل مع التونسيين".والقروي (56 عاماً) هو مؤسّس قناة "نسمة"، وقد ترشّح للانتخابات الرئاسيّة بعد تأسيسه حزب "قلب تونس". ومن خلال سَعيه إلى توزيع إعانات وزيارته المناطق الداخليّة، بنى المرشّح ورجل الإعلام مكانة سرعان ما تدعّمت وأصبح يتمتّع بقاعدة انتخابيّة لافتة.وقرّر القضاء توقيفه قبل 10 أيّام من انطلاق الحملة الانتخابيّة على خلفيّة تُهم تتعلّق بتبييض أموال وتهرّب ضريبي، إثر شكوى رفعتها ضدّه منظّمة "أنا يقظ" غير الحكوميّة في عام 2017.عندها، قرّر القروي الدّخول في إضراب عن الطعام من سجنه، بينما تولّت زوجته وعدد من قيادات حزبه مواصلة حملاته.
مرشح «النهضة» يتريث في الاعتراف بالخسارة