الحنين إلى الماضي، أو ما يعرف بالـ"نوستالجيا"، هو شعور قد يستحوذ علينا عندما نرى صورة عائلية مصفرّة في ألبومٍ عتيق، أو عندما نتعثر بشريط كاسيت ملقى على الأرض بعشوائية وإهمال... أشياء بسيطة قد توقظ فينا مشاعر كثيرة واشتياقا لزمن كان أكثر دفئاً وبراءة.لم يسلم شيء من الرأسمالية، بما في ذلك ذكرياتنا، حيث أتت موجة تسويقية كبيرة تعتمد على تصاميم الثمانينيات كي تحصد المزيد من المبيعات، وذلك عن طريق تحريك مشاعر الطفولة والصبا، وشملت هذه الموجة العديد من الجوانب بما فيها الموسيقى والمسلسلات ومختلف المنتجات الاستهلاكية، بل حتى الموضة والملابس التي بدأت تأخذ الألوان والتصاميم المستوحاة من ذاك الزمن.
ولربما كان أحد أهم أسباب نجاح هذه الموجة هو الجودة الفعلية للإنتاج الثقافي والفني في تلك الحقبة، فالموسيقى كانت تعتمد على موهبة الفنان، والأغنية كانت بمثابة عرض لقدراته الغنائية في زمن لم يظهر فيه التعديل الصوتي "Auto tune" بعد، وكانت المسلسلات متقنة الإخراج، والنصوص قد كتبت باحترافية عالية، وكذلك كان الممثل يعتمد على أدائه بدلاً من الاعتماد على المؤثرات البصرية أو المظهر الخارجي، فكانت بساطة العرض تضيف إلى عمقه وتسهل متابعته وثباته في ذاكرة المشاهدين. بالفعل، فإن الثمانينيات أنتجت أعمالاً رائعة قل نظيرها في الوقت الحالي، وذلك على الصعيدين المحلي والعالمي.كذلك فلربما كنا نشعر بالحنين فعلاً إلى حالتنا الذهنية الهادئة قبل الإنترنت والهاتف الذكي الذي بعثر تركيزنا، ودفء العلاقات في زمن كان يُسمح لنا أن نعبر عن حاجتنا للآخرين قبل زمن الفردانية المفرطة وديوانيات "الآيفون"! أيضاً فإن العقل البشري غالباً ما يقدس الماضي، ويتذكره على أنه أجمل مما كان عليه، دون النظر إلى كمية الرفاهية وسهولة الحياة التي نتمتع بها الآن.وعلى الرغم من ظهور الكثير من الأعمال الرائعة المستوحاة من تلك الحقبة كالعروض المسرحية "عرض الثمانينيات نموذجاً" والمسلسلات والأغاني، فإنه تم ابتذال الذاكرة في هذه الموجة للتسويق لمنتجات استهلاكية ليس لها أي علاقة بالـ"نوستالجيا"، كالمطاعم الفارهة ومقدمي خدمات الإنترنت، وأي شيء تودنا الشركات أن نستهلكه بأكبر سرعة ممكنة. نعم، كان الماضي جميلاً، ويمكننا استلهام الكثير من وحي الذاكرة، لكن لا ضير من التجديد وخلق الجمال في اللحظة عوضاً عن اجترار الماضي، كذلك لابد من التمهل قليلاً والتساؤل: فهل نشتري منتجاً ما لأننا بحاجة فعلية إليه أم لأنه قد تم التلاعب بمشاعرنا، سواءً بحيلة "النوستالجيا" أو أي حيل تسويقية أخرى؟دعونا نحافظ على ذاكرتنا من الابتذال، وذلك عن طريق توثيقها بطريقة جميلة وعدم الاستسلام لتسليعها.* "لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر لوجدنا أننا خسرنا المستقبل". (ونستون تشرشل).
مقالات - اضافات
«نوستالجيا»
20-09-2019