في 18 يوليو 2019، أفاد جاويد رحمان، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن «الأحوازيين العرب لا يزالون ضحية انتهاكات لحقوقهم في ظل تطبيق السلطات الإيرانية وفقا لما يتردد عن قوانين واسعة النطاق خاصة بالأمن القومي لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في هذا المجال». ومنذ هذا التصريح، استمرت عمليات القتل والإعدام بدون محاكمة بحق العرب الأحوازيين- الناشطون منهم وغير الناشطين على حد سواء- مما يمثل تدهورا للوضع في إيران لهذه الشريحة من الشعب. وكانت جماعات محلية تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان قد أكّدت أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية وحدها، قُتل على الأقل أربعة شباب أحوازيين وجُرح عدد من شبان آخرين بشكل خطير على نقاط تفتيش بعد إطلاق النار عليهم من قبل قوات «سازمان بسیج مستضعفین» أو «الباسيج»، وهي الذراع شبه العسكرية التابعة لـ«حرس الثورة الإسلامية» المصنّف إرهابيا.
ففي الرابع من سبتمبر، كان علي راشدي البالغ من العمر 17 عاما يركب دراجته النارية في مدینة الخلفية الأحوازية حين تجاوز واحدة من نقاط التفتيش المزعومة المتعددة التي تشغلها قوات تابعة لـ«حرس الثورة الإسلامية». فتمّ إطلاق النار عليه في ظهره ورقبته وقتله «بجريمة» عدم التوقف عند نقطة تفتيش غير مرئية بوضوح، واستنادا إلى الجماعات المحلية للدفاع عن حقوق الإنسان وشريط فيديو، نظّم الأحوازيون احتجاجات على الفور تمّ قمعها بواسطة الاعتقالات. يُذكر أنّ هذا النوع من الاعتداءات شائع بشكل مرعب للأحوازيين في إيران. ففي 19 أغسطس، لقيَ الشاب رسول العفراوي البالغ من العمر 24 عاما المصير عينه كالمراهق علي، وقبل ثلاثة أيام على تلك الحادثة أُرديَ باسم آلبوغبيش البالغ من العمر 28 عاما قتيلا على دراجته النارية في مدينة الفلاحية الأحوازية على يد قوات مرتبطة بـ«حرس الثورة الإسلامية»، حيث تمّ أيضا جرح الراكب الذي كان برفقته. وكذلك، قبل ذلك بثلاثة أيام، أي في 13 أغسطس، سقط الشاب الأحوازي العشريني محمد عوده ساري قتيلا بطلقات نار قوات «الباسيج» شبه العسكرية في مدينة الأحواز حين كان يركب دراجته النارية. وقبل يومين على هذه الحادثة، كان الشاب عباس أميري 19 عاما، وابن عمه يتجهان من مدينة الأحواز لزيارة أصدقائهما من أجل الاحتفال بعطلة عيد الأضحى في مدينة تستر الأحوازية حين تعرضت سيارتهما لإطلاق نار من قوات «الباسيج» التي زعمت لاحقا أن السيارة كانت مسرعة، رغم أن الشهود الذين سارعوا لتقديم العون نفوا هذا الادعاء.غير أنه من الناحية العملية، يتحكم «حرس الثورة الإسلامية» بشكل مطلق بكل عناصر الحكومة الإيرانية، بما في ذلك الجسم القضائي الخاضع لها. وبالتالي، يستحيل عمليا إثبات أن القوات التابعة له قد تجاوزت نطاق مهماتها المحددة بشكل ضبابي، وبخاصةٍ حين يكون العرب الأحوازيون هم الضحية. وأكّدت أسر الضحايا هذا التفاوت، ففي حالة عباس أميري وابن عمه، أبلغت عائلتهما مجموعات الدفاع عن حقوق الأحوازيين أنه على الرغم من تعيينهم محاميا في مسعى لإقامة دعوى قانونية ضدّ عنصر الأمن المسؤول عن مقتل عباس، إلا أن النظام القانوني الإيراني يبرر دائما أفعال أي جماعة مرتبطة بـ«حرس الثورة الإسلامية».تجدر الملاحظة أن عمليات القتل بحدّ ذاتها هي نتيجة نظام ابتزاز أوسع نطاقا يستهدف العرب الأحوازيين في إيران. وكان الناشطون في مجال حقوق الإنسان في الأحواز قد وثقوا استخدام «حرس الثورة الإسلامية» بشكل روتيني نقاط التفتيش كأدوات لابتزاز المال من المواطنين، وبخاصةٍ الأحوازيين الذين يعرَفون أصلا على أنهم عرب وليسوا من العرق الفارسي. ويتمّ توقيف السائقين واتهامهم بـ»جرائم» ملفقة ومن ثم إرغامهم على دفع رشا لتجنب إلقاء القبض عليهم. ومن يرفض دفع هذه الرشا أو من يتجاوز نقاط التفتيش ببساطة فقد يتعرض لإطلاق النار.فضلا عن ذلك، يواجه الذين ينجون من هذه الاعتداءات ويتمّ توقيفهم لاحقا مصيرا مأساويا مماثلا، وكما وثّق أحد الكتاب بإسهاب، يتمّ تعذيب الشباب الأحوازيين الذين يعتقلهم النظام بشكل دائم، وغالبا ما يموتون تحت التعذيب. فبنيامين آلبوغبيش، 26 عاما، وحاتم مرمضي، 20 عاما، وعلي السواري، 50 عاما، ومحمد عوده حمادي، 35 عاما، وستار صياحي المعروف باسم أبو سرور، وعلي البتراني، وغیبان عبیداوی، 38 عاما، وجميل سويدي، 45 عاما، وناصر آلبوشوکه، 20 عاما، ومحمد كعبي، ليسوا إلاّ عينة صغيرة من أحوازيين وغيرهم من السجناء السياسيين الذين سيقوا إلى السجون الإيرانية. ويتمّ استهداف المشاركين في الترويج للثقافة الأحوازية بشكل خاص، فقد تمّ اعتقال الناشطين الثقافيين ناجي سواري وماهر دسومي وأحمد دغاغلة وتعرضوا لأشهر من التعذيب في سجن شيبان الشهير التابع للنظام؛ أما «جريمتهم»، فكانت إنشاء معاهد مخصصة للحفاظ على ثقافة العرب الأحواز. من جهته، كتب غازي مزهر حيدري بيانا مخيفا عما تعرّض له حين كان يقبع في سجن كارون ذي السمعة السيئة، وعن الأشخاص الذين يحوّلهم النظام عمدا إلى أشباه «زومبي» بحقنهم بمادة الميثادون كشكل من أشكال التعذيب. كما أُرغم السجناء الأحوازيون على تقديم «اعترافات» بارتكابهم «جرائم» ملفقة وتمّ إعدامهم بالتالي، وفي بعض الحالات، أُعيدت جثث المعدومين– سواء بعد محاكمات صورية أو في منتصف الليل– أو وُجدت مرمية في نهر كارون وهي تحمل علامات تعذيب واضحة. وتمّ الاتصال بعائلات أخرى بكل بساطة في منتصف الليل وإخبارها أنّ أحباءها قد ماتوا، لكنّه لن يتمّ أبدا تسليم جثامينهم لدفنها أو الحداد عليهم، أما المحظوظون لدرجة أن ينجوا من التعذيب والسجن، فغالبا ما يُتركون بإصابات دائمة أو موهنة. وصحيح أنّ الإعدامات بدون محاكمة ليست ممارسة جديدة، لكنّ الوضع يزداد سوءا، فقبل سنتين، أي في 24 أغسطس2017، كانت مقررة الأمم المتحدة الخاصة السابقة المعنية بحقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد صرّحت أنّها سُلّمت معلومات تتعلق بـ»نحو 45 حالة اعتقال وتوقيف لعرب أحوازيين» وأنّ «معظم الحالات كانت نتيجة المشاركة في فعاليات ثقافية وتقليدية أو احتجاجات ضد التدهور البيئي».وتحدث الأمين العام عن الإفلات من العقاب، الذي يُعرّف بأنه «الإعفاء أو حماية من العقوبة أو الجزاء». فهو نقيض سيادة القانون التي تشمل أربعة مجالات وهي: المساواة أمام القانون، وشفافية القانون، واستقلالية القضاء، والحصول على سبل الانتصاف القانونية.وفي ظل نظام إيران الحالي، لا يمكنها أن تزعم شرعيا أنّها تسترعي هذه المعايير، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالعرب الأحوازيين، فالوظائف القضائية الإيرانية باعتبارها إحدى أذرع «حرس الثورة الإسلامية» والتعويضات القانونية ليست سوى خدعة لأسَر الكثير من ضحايا النظام التي تدرك أنّ محاولة إقامة أي دعوى قانونية قد تؤدي على الأرجح إلى سجنها وتعذيبها بدلا من حصولها على محاكمة عادلة.ولا بدّ من تحديد الإفلات من العقاب بوضوح ورفضه، ولا بدّ من أن يدين المجتمع الدولي عنصرية النظام الإيراني. وكما أوضح مؤخرا الشيخ عبدالله الخزعل، وهو حفيد آخر حاكم مستقل للشعب الأحوازي، إنّ الاعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الأحوازي بأرضهم يخدم مصالح التحالف الذي يسعى إلى إرغام النظام الإيراني على وضع حدّ لقمع دام عقودا من الزمن طال مواطنيه ولتصدير أيديولوجيته الإرهابية الرامية إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وغيره من المناطق. وفي حين تُعتبر تقارير الأمم المتحدة خطوة في الاتجاه الصحيح، من الواضح أنها غير كافية، حيث لا بدّ من الاعتراف والتشديد على فكرة أنّ إيران لن تمتثل بملء إرادتها للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.ونظرا إلى الضغوط الدولية الحالية التي يرزح تحتها أساسا النظام الإيراني، فإن الوقت بات مناسبا الآن كي يتخذ العالم الحر خطوات ملموسة لإرغام النظام على وقف نمط انتهاكاته هذا، علما أنّه يوجد في إيران 10 ملايين أحوازي يُعتبرون أهدافا دائمة لنظام متعصب رديء، وستبقى هذه هي الحال ما لم يلجأ المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط على إيران بغية توقفها عن استهدافهم. وعليه، لا بدّ من اتخاذ خطوات حازمة، بحيث لا يُترك أي منفذ يمكن للنظام استغلاله لمواصلة ممارساته الشائنة وغير القانونية.● رحيم حميد وآرون ماير- واشنطن إنستيتوت
دوليات
موجة إعدام الأحوازيين بدون محاكمة مستمرة في إيران
20-09-2019