قال تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي إنه بتاريخ 09/ 09/ 2019، أقر مجلس الوزراء مشروع قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية، وهو المشروع الأساس في رؤية «كويت جديدة 2035»، ونكرر بأننا ندعم أي رؤية أو مشروع يحاكي المستقبل، وتحديداً خلق ما يكفي من فرص عمل مواطنة مستدامة، ويسعى إلى تحقيق تحول جوهري في اتجاه الخفض التدريجي من اعتماد للبلد شبه كامل على تصدير النفط الخام، وخلق مصادر بديلة مستدامة للدخل.

وحتى لا يتحول إقرار مشروع القانون إلى كل الإنجاز، ثم تسير الأمور على أرض الواقع باتجاه معاكس تماماً، كما حدث مع كل مشروعات التنمية السابقة، وكما حدث مع كل المشروعات الجزئية ضمنها، مثل خدمات التعليم والصحة والبنى التحتية وحتى إدارة المرافق، مثل المطار والميناء، لابد من مواجهة نواقص المشروع، وأمثلتها كثيرة.

Ad

فالمشروع، وفق فهمنا، يتبنى هدفا لا يدعمه أي أساس على أرض الواقع، وهو خلق أكثر من 200 ألف وظيفة مواطنة مستدامة بإنتاجية تماثل إنتاجية العمالة السنغافورية، وهو أمر طيب. لكن لم تذكر الأدبيات المنشورة حول المشروع، السبيل إلى الارتقاء بإنتاجية العامل الكويتي إلى ذلك المستوى، فالأساس في الارتقاء هو نظام التعليم، وقيم العمل، والتنافسية على الوظيفة في بيئة العمل العامة، وتلك كلها مفقودة.

فالتعليم رديء، ووسيلة القياس هي الشهادة، أي شهادة، ومعظمها بمستوى هابط أو حتى مُزور، وقيم العمل أمام تكدس البطالة المقنعة لا تتعدى بصمة حضور وانصراف، والتنافسية في معظمها تنحصر في القدرة على توفير أقوى واسطة.

تحدّ آخر هو أن نفس مجلس الوزراء الذي أقر المضي في المشروع، هو نفسه الذي أقر استراتيجية «مؤسسة البترول الكويتية»، وبينما يتبنى مشــروع الشمـال هـدف تنويـع مصـادر الدخـل بعيـداً عـن النفط، يتبنى مشروع الجنوب الارتقاء بإنتاج الكويت النفطي إلى 4 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2040.

والمشروعان تحت سلطة مجلس الوزراء نفسه، أهدافهما متناقضة تماماً، ويتنافسان على موارد الدولة المالية بحصة 450 مليار دولار لكل منهما أو 900 مليار لكليهما، ويتنافسان على إغراء المستثمر المحلي والأجنبي وإقناعه بتفوق جاذبية وجدوى هدف كل منهما، والبلد لا يتحمل تكاليف المشروعين، ولابد أن أحدهما على خطأ.

تحدّ ثالث، هو تحدي البيئة العامة الحاضنة للعمل، فالكويت تنحدر في ترتيبها ضمن تصنيفات الفساد، والفساد شديد الضرر ومكلف جداً في زمن الرخاء المالي، وفي زمن ندرة الموارد، يستحيل تحقيق أي تقدم ما لم تكن مواجهته أولوية.

ونظرة على انحدار مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى الكويت للسنوات الخمس الفائتة، ربما تكون كافية لتأكيد أن نظرة الآخرين لنا غير مشجعة على مستوى المشروعات الصغيرة، والعزوف سيكون أكبر على مستوى المشروعات الضخمة.

وتبقى الحاجة ماسة إلى تغيير النهج التنموي، فالبلد يفقد خياراته بمرور الزمن، لكن العجز عن إدارة مطار أو ميناء أو حركة مرور أو تسمية شوارع أو بيئة «جون الكويت» أو مواجهة التزوير في كل شيء تقريباً، وغيرها، يتطلب من الإدارة العامة اكتساب ثقة في مواجهة صحيحة لتلك التحديات الصغيرة، حتى يثق الناس بها ويدعمون توجهاتها لمواجهة التحديات الكبرى.